الشرق اليوم- لم يجافِ هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الحقيقة، بقوله: إن اقتراح “ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو كان خطأ فادحاً”؛ ذلك أن هذا الاقتراح، جعل روسيا تشعر بأن أمنها بات في خطر حقيقي، لأن تمدد الحلف إلى تخومها الشرقية، يعني أنها باتت في مواجهة قوس من الحلف المعادي، يمتد من بحر البلطيق شمالاً إلى البحر المتوسط جنوباً، بما يشكله ذلك من حصار أمني واقتصادي وسياسي لها، لا تستطيع السكوت عليه.
لقد بذلت روسيا الكثير من الجهود، لإقامة علاقات إيجابية مع الحلف في محاولة منها لإقامة أمن متوازن في القارة الأوروبية، والعمل على معالجة القضايا الأمنية، والمشاريع المشتركة، والتعاون في مواجهة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة، وفي هذا الإطار تم تأسيس “مجلس روسيا وحلف شمال الأطلسي في عام 2014″، وتم افتتاح مقر لبعثة روسية دائمة في مقر الحلف في بروكسل، كما تمت دعوة الرئيس فلاديمير بوتين لحضور قمة الحلف التي عقدت في بوخارست عام 2008. وقبل ذلك انضمت روسيا في عام 1994 إلى “برنامج الشراكة من أجل السلام”، وتم توقيع عدة اتفاقات مهمة بخصوص التعاون بينهما. ووفقاً للرئيس الروسي، فإنه طرح فكرة انضمام روسي إلى الحلف على الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في عام 2000 أثناء زيارته إلى موسكو.
وقبيل اندلاع الحرب الأوكرانية، سعت روسيا إلى إقناع الدول الغربية، بالتوقف عن تمدد الحلف، والعمل على تحييد أوكرانيا، وقيام نظام أمني أوروبي متكافئ، يضمن أمن كل دول القارة، إلا أن هذه المحاولات قوبلت بالتجاهل، فيما كان حلف الأطلسي يعدّ للحرب منذ عام 2014 من خلال تسليح أوكرانيا، وتدريب قواتها، والعمل على تقويض اتفاق مينسك للعام 2014 الذي شكّل مخرجاً للأزمة الحالية، وتجنب شرارة الحرب، وهو ما كشفت عنه مستشارة ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل في حديث لصحيفة “تسايت” بقولها: إن الاتفاقية كانت تهدف إلى منح كييف “الوقت الكافي لتعزيز قدراتها”، وأيدها في ذلك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الذي أكد أن الاتفاقية سمحت “للجيش الأوكراني أن يصبح أقوى وأفضل تدريباً وتجهيزاً، وعرقلت الهجوم الروسي لبعض الوقت”.
كيسنجر حذّر من أنه “إذا انتصرت روسيا، فإن المفهوم الكامل لوجود الناتو سيتحول إلى غبار”.
فهل ارتكب حلف الناتو خطأ تاريخياً ضد روسيا بزحفه نحو أراضيها، واستمرار النزف العسكري والاقتصادي والمالي الذي تعانيه الدول الغربية؟
إضافة إلى كيسنجر، فإن كريستوفر بريبل مدير “مبادرة المشاركة الأمريكية الجديدة في المجلس الأطلسي” يحمّل الولايات المتحدة مسؤولية هذا الخطأ، باعتبارها “القوة المحرضة على توسيع الحلف، وعجلت التحول نحو هيكل أمني أوروبي جديد، وأحبطت دعوات الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي”. أما تشارلز كوبشان أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون، فيرى أن روسيا “اضطرت إلى موازنة حشد القوة الغربية في شرق أوروبا، في وقت كان ينبغي على واشنطن أن تلتزم بتطوير الشراكة من أجل السلام معها، من دون توسيع الحلف، ورسم خطوط تقسيم جديدة”.