بقلم: الحسين الزاوي- صحيفة الخليج
الشرق اليوم- شهدت علاقات الصين بمحيطها الإقليمي تطورات متسارعة خلال العقدين الأخيرين، فقد قامت بكين ببلورة إستراتيجية إقليمية بعيدة المدى في شرق آسيا، بهدف التخفيف من مخاوف جيرانها الناجم عن التنامي المذهل لقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، وهي المخاوف التي أخذت أبعاداً مقلقة نتيجة الاستثمار الغربي فيما بات يسمى ب”الخطر الصيني”، الذي جرى تضخيمه بسبب وجود صراعات حدودية قديمة ما بين الصين وجيرانها.
وحاولت الصين بناءً على ذلك، أن تُشرك جيرانها في العديد من المشاريع الإقليمية، وفي تجمعات اقتصادية وسياسية على غرار منظمة شنغهاي، إضافة إلى حرصها على التعاون المكثف بينها وبين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومع الدول الواقعة على ضفاف نهر ميكونغ، الذي تسعى واشنطن إلى توظيفه كورقة لزيادة مستوى التوتر بين بكين ومحيطها الإقليمي.
ويُجمع المراقبون في هذا السياق على أن السنوات الماضية شهدت تغيرات جيوسياسية مهمة على مستوى المحيط الإقليمي للصين وفي كل المناطق المحيطة بجنوب وشرق آسيا، وهي تغيرات دفعت الجيشين الصيني والباكستاني، على سبيل المثال، إلى التقارب بشكل كبير رغم أن الجيش الباكستاني معروف بتحالفه التقليدي مع واشنطن؛ فقد شرع جيشا البلدين وقواتهما البحرية في تبادل التجهيزات وفي المشاركة في مناورات متطورة وفي تبادل الخبرات. بيد أن هذا التعاون بين الصين وباكستان يظل في نظر واشنطن محدوداً من حيث تأثيراته الإقليمية بالنظر إلى التعقيدات التي تميّز العلاقات بين دول المنطقة، إضافة إلى أن المؤسسة العسكرية الباكستانية مازالت متمسكة بتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة، وفضلاً عن ذلك فإن واشنطن تعتقد أن تحالفات بكين الإقليمية تظل هشة، ولا يمكن مقارنتها بالتحالفات القائمة بين الدول الغربية في إطار حلف الناتو.
ويمكن القول إن محاولات الصين الهادفة إلى عقد صداقات وتحالفات مع جيرانها في شرق آسيا، تتم في سياق تنافس محموم بينها وبين واشنطن من جهة، وبينها وبين الحلفاء الأوفياء لواشنطن من جهة أخرى، وفي مقدمتهما اليابان وكوريا الجنوبية. فقد دخلت الأولى في معترك سباق التسلح بكل قوة، بينما حصلت الثانية على مراتب متقدمة في مجال الصناعات العسكرية، اعتماداً على قاعدتيها الصناعية والتكنولوجية المتطورتين، حيث استطاعت كوريا الجنوبية بداية من سنة 2010 أن تلتحق بالدول العشر الأكثر تصنيعاً وتصديراً للأسلحة في العالم إلى جانب الدول الغربية الكبرى، وقد مكّنتها هذه الصناعة من منافسة الصين في مجال تصدير الأسلحة لدول الجوار الإقليمي، الأمر الذي أضعف بشكل ملحوظ قدرة بكين على توطيد تحالفاتها في المنطقة بعد فقدها لامتياز المصدّر الحصري للأسلحة المتطورة في شرق آسيا.
وسعت الصين أيضاً، مع بداية الألفية الجديدة، إلى بلورة خطاب مطمئن لكل جيرانها الذين أبدوا تخوفاً واضحاً من تسارع قوتها، وحرصت على أن تستعمل، كتوصيف لهذا الصعود المذهل لقوتها، كلمات من قبيل اقتصاد صاعد، ثم تطور سلمي من أجل تبديد مخاوف محيطها وإبعاد التصورات المتعلقة، بما تصِّر الدول الغربية على تسميته بالخطر الصيني، وعملت في السياق نفسه على تطبيق سياسة خارجية قائمة على حسن الجوار؛ ورغم ذلك فإن المراقبين الغربيين يقولون إن الصين، وإضافة إلى القوة الناعمة التي ما فتئت تسوقها لجيرانها، فإنها لم تغفل القوة الصلبة، لقناعتها بأنه من أجل أن تكون دولة محترمة في محيطها، يجب عليها أن تحصل على القدرات العسكرية نفسها التي يمتلكها خصومها وحلفاؤها في العالم.
نستطيع أن نخلص في الأخير إلى أن بكين عملت منذ التسعينات من القرن الماضي على خلق محيط إقليمي مستقر، يمكنه أن يسهم في دعم تطورها الاقتصادي وفي ترسيخ استقرارها الداخلي، بيد أن هذا التوجه القائم على خيار الدبلوماسية المتعددة الأطراف مع الجيران، لم يمنع من وجود توجهات داخل النخبة العسكرية الصينية، من أجل استثمار القوة العسكرية المتنامية للتنين الصيني من أجل فرض سيطرتها على مجالها الحيوي والجيوسياسي الإقليمي، الأمر الذي لا يزعج فقط حلفاء واشنطن في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ولكنه يثير أيضاً مخاوف دول أخرى أقل عداءً للصين على غرار الهند وفيتنام، ومن ثم فإن قدرة بكين على إقامة تحالفات تظل محدودة، بالنظر إلى ميراثها القائم على المبادلات، وليس على الصداقات أو التحالفات.