بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- قيل الكثير في وصف قمة جدة العربية. قمة المصالحة العربية وقمة لمّ الشمل وقمة عودة سوريا. لكن الوصف الذي ربما يعبر عن حقيقة المرحلة أكثر من غيره، هو قمة الواقعية العربية، أي أن العرب أظهروا ميلاً للتحرك بحدود الواقع وما يحتمه من شروط وليس التمسك بالأوهام.
من هذا المنطلق أضحت عودة سوريا إلى الجامعة العربية ودعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة، تجسيداً للنهج الواقعي في التعاطي مع التحديات التي تحيط بالعالم العربي. إن استمرار الأزمة السورية لم تعد عبئاً على السوريين وحدهم، بل باتت عبئاً على دول الجوار، إذا ما تم النظر إلى الكلفة المترتبة على الدول التي تستضيف أكثر من خمسة ملايين لاجئ، عنينا بها لبنان والأردن وتركيا. الدول الثلاث تنوء تحت أزمات اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم.
أهمية قمة جدة أنها كانت موقفاً عربياً جديداً قادته دول الخليج العربية، ومضمونه أن الأزمة السورية لم يعد في الإمكان تحملها، وأنه يتعين مقاربتها من زاوية جديدة، غير تلك التي كانت معتمدة منذ 12 عاماً، وكانت حصيلتها معادلة صفرية.
إذاً لنجرب سياسة جديدة، حتى ولو أغضبت الولايات المتحدة، التي تستعمل سوريا ورقة ضغط على روسيا وإيران. أميركا يمكنها تحمل استمرار الأزمة، لكن الدول العربية هي التي تدفع الثمن.
الولايات المتحدة مشهور عنها قدرتها على التكيف مع الأزمات المتمادية وتحويلها إلى أوراق ضغط تستخدمها في مواجهة الخصوم. تدير أمريكا الصراع العربي – الإسرائيلي منذ عقود، ولم تجرب يوماً الضغط الجدي من أجل التوصل إلى تسوية. وأمريكا نفسها تحاصر كوبا بالعقوبات منذ الستينات من القرن الماضي، وتحاصر إيران بالعقوبات منذ الثمانينات من القرن العشرين، وتحاصر فنزويلا بالعقوبات منذ التسعينات أيضاً، وتحاصر روسيا الآن بالعقوبات منذ أكثر من سنة.
لكن من الذي يتحمل الأعباء. إنها شعوب الدول المحاصرة (بضم الميم وفتح الحاء) فضلاً عن أطراف ثانويين هم في نظر الولايات المتحدة مجرد “أضرار جانبية”.
معظم الدول العربية متضررة من استمرار الأزمة السورية بطريقة أو بأخرى، وتالياً يحق لها التفتيش عن وسيلة لدرء الأضرار عنها. إحدى هذه الوسائل هي إيجاد مقاربة جديدة لحل هذه الأزمة غير تلك التي أدت حتى الآن إلى تقسيم سوريا بحكم الأمر الواقع وأوجدت فيها أربعة جيوش نظامية (غير إسرائيل التي تحتل الجولان منذ 1967) فضلاً عن عدد لا يحصى من الميليشيات التي تتراوح من تنظيم “داعش” و”هيئة تحرير الشام” و”حراس الدين” و”الحزب التركستاني”، وكلها تنظيمات جهادية مدرجة على لوائح الإرهاب في أمريكا وأوروبا، إلى فصائل عدة موالية لإيران، وفصائل من المعارضة السورية المسلحة الموالية لتركيا.
إلى متى يمكن أن يستمر هذا الواقع؟ من المنظور الأمريكي، لا غضاضة في الاستمرار به طالما يساهم في إضعاف النظام والضغط على روسيا وإيران. لكن تلك قاعدة لا تنسحب على الدول العربية التي بدأت تضيق ذرعاً بالآثار الناجمة عن الفوضى التي تضرب سوريا.
ومهما يكن حجم الاعتراض الأمريكي ومفاعيله، فأن ينخرط العرب في حوار دبلوماسي مع دمشق وقلب صفحة الماضي، يعتبران من التطورات الإيجابية. وماذا حقق إجراء تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في أواخر 2011؟ عملياً لا شيء. ربما لو استمر العرب في التواصل مع دمشق لما كانت الأزمة السورية استمرت كل هذه السنوات ولما كانت أُزهقت كل هذه الأرواح، ولا لحق بسوريا كل هذا الخراب.
قمة جدة، كانت بداية جديدة في التعاطي مع سوريا التي غاب عنها العرب 12 عاماً. وبدل التريث لمعرفة نتائج الانفتاح العربي على سوريا، ها هم المسؤولون الأمريكيون في الإدارة والكونغرس، يحذرون بالويل والثبور من عواقب التطبيع مع دمشق ويستعدون لتوسيع “قانون قيصر” لردع أي محاولة لإعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة السورية.
غريب أمر هذه السياسة الأمريكية؟