الشرق اليوم- قُبيل عيد ميلاده المئة الذي يصادف يوم 27 مايو/ أيار الجاري، حذّر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في حديث مع شبكة “سي إن إن” من أن الحرب الأوكرانية “تقترب من نقطة تحّول مهمة”. وفي حديث آخر مع صحيفة “إل موندو” الإسبانية، حذّر من رغبة البعض في “تفكيك روسيا لأن ذلك قد يؤدي إلى فوضى نووية”، داعياً إلى إحلال سلام قائم على التفاوض للحد من مخاطر نشوب حرب عالمية مدمّرة. وأضاف “نعيش الآن في عصر جديد تماماً، والوضع الجيوسياسي على مستوى العالم سيشهد تحولات كبيرة بعد انتهاء الحرب الأوكرانية”.
توقعات كيسنجر تأتي من رجل مخضرم مارس الواقعية السياسة، وهو خبير دبلوسي وجيوسياسي متمرّس، ومحنّك، كان رائداً في سياسة الانفتاح على الصين والاتحاد السوفييتي، وله بصمة سياسية في الشؤون الدولية. لذلك حين يقدم رأياً، أو موقفاً، فإنه يصدر عن رجل لديه قدرة على الاستشراف، وتقديم الحلول.
لعل تحذيرات كيسنجر من اقتراب الحرب الأوكرانية “من نقطة تحّول مهمة”، ومن مخاطر نشوب “حرب عالمية مدمرة”، تلتقي مع تصعيد الدول الغربية لأوار الحرب، وسعيها لتوسيع مساحة القتال بما يتجاوز حدودها الحالية، وصولاً إلى داخل الأراضي الروسية، من خلال تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، في خطوة غير مسبوقة، قد تؤدي إلى عواقب خطرة، وتُخرج الحرب عن سياقها الحالي، خصوصاً بعد أن أعلنت بريطانيا عن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من طراز “ستورم شادو” التي يبلغ مداها أكثر من 250 كيلومتراً، وهي صواريخ يتم إطلاقها من الطائرات، بعيداً عن خطوط القتال، ويمكنها استهداف مراكز القيادة الروسية، وخطوط الإمداد والذخيرة، ومستودعات الوقود، في عمق شبه جزيرة القرم.
وكانت الولايات المتحدة زوّدت أوكرانيا قبل ذلك بأنظمة الصواريخ الدقيقة مع ذخيرتها من طراز “هيمارس”، ويبلغ مداها 300 كيلومتر، لكن تم تقليص مدياتها إلى نحو 80 كيلومتراً، خوفاً من رد الفعل الروسي.
هذا التطور في توفير الأسلحة الغربية بعيدة المدى هدفه تمكين أوكرانيا من شن “هجوم الربيع” الذي طال انتظاره، وقيل أن سبب تأخيره يعود إلى عدم كفاية ما لدى كييف من أسلحة وذخائر لشن هجوم ناجح.
يبدو أن هناك إصراراً غربياً على توسيع رقعة الحرب، وبالتالي تزايد المخاطر من احتمال ردّ روسي غير متوقع. وجاءت دعوة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قبل يومين، للدول الأعضاء إلى “الإسراع” في تسليم أوكرانيا التجهيزات العسكرية وتزويدها بأسلحة بعيدة المدى لمواجهة القوات الروسية، بمثابة صبّ زيت على النار المشتعلة، بما لا يمكن التكهن بنتائج ذلك.
أمام هذا التصعيد، رأت روسيا أن هذه الخطوة “شديدة العدائية”، محذرة من “تصعيد خطر”، ووعدت ب”ردّ عسكري ملائم” إذا استخدمت أوكرانيا صواريخ “ستورم شادو”.
بين تحذيرات كيسنجر، وما تقوم به الدول الغربية، تصبح التحذيرات أقرب إلى التحقق، لعدم تقدير التبعات الممكنة للرد الروسي.