بقلم: نبي ميش
الشرق اليوم- تُعزى الإجابة عن سؤال كيف احتشاد الملايين خلف حزب العدالة والتنمية إلى نقطتين أساسيتين.
إن المراقبين الأجانب يعتقدون أن الانتخابات التركية الحالية هي الأهم في العالم خلال هذا العام، وقد باتت هذه الانتخابات أكثر إثارة للاهتمام بالنظر إلى حقيقة أن حزب العدالة والتنمية فاز حتى الآن بحوالي 15 اقتراعا مختلفا على مدى العقدين الماضيين.
تحفيز الناخبين
بالنسبة لحزب سياسي ظل في السلطة مدة طويلة، فإن الاستعداد للانتخابات لا يقتصر على تقديم الوعود، وتقديم بيان انتخابي، وتنظيم التجمعات المزدحمة، ونشر الإعلانات في وسائل الإعلام، ورغم أهمية هذه الجهود، فإنها لن تكون كافية لتحفيز الناخبين وحشدهم والفوز في الانتخابات، وإنما العامل الرئيسي هو رصد الناخبين لممارسات الأحزاب والقادة السياسيين بين الماضي والحاضر.
لم يكن الناخبين في عام 2002 واثقين في السياسة والسياسيين، حيث تم تسويق الوعود الانتخابية في التسعينيات من خلال “سياسة الفقاعة”، وتفاقمت مشاكل البلاد المتراكمة منذ فترة طويلة، وباتت الحكومات لا تستطيع حلّ المشاكل القائمة ولا تقديم رؤية مستقبلية.
استعادة الثقة بين السياسة والمجتمع
وفي ظلّ هذا المناخ اليائس، جاء أول بيان انتخابي لحزب العدالة والتنمية بعنوان “كل شيء لتركيا”، ليركز على خطط العمل العاجلة التي تهدف إلى استعادة ثقة المجتمع في السياسة، والتزم بتوسيع المشهد السياسي من خلال التحركات الديمقراطية، ووعد بإزالة العقبات التي تحول دون إرساء الحريات.
وقبل انتخابات 2007، حيث كان حزب العدالة والتنمية الحاكم آنذاك يتعرّض لضغوط هائلة من مراكز الجيش والإعلام و”النخبة الكمالية”، أعدّ بيانا انتخابيا تعهّد فيه أولا بإزالة هذه الوصاية، وثانيا مواصلة التحولات الهيكلية التي بدأها من مثل توسيع حيز السياسة الديمقراطية وإجراء إصلاحات بشكل مستمر إلى حين صياغة دستور جديد. لهذا السبب، كان عنوان البيان الانتخابي لذلك العام “مع الأمن والاستقرار، لا راحة للمتعثرين”.
توسيع نطاق الحريات
إن الفترة ما بعد 2011 شكّلت منعطفا حاسما آخر لأنصار النظام القديم، الذين أظهروا مقاومة قوية وفعالة. ومن خلال المجازفة السياسية، حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية توسيع نطاق الحريات، وزيادة رفاهية المواطنين من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية، وحل المشاكل التي تم تجاهلها منذ مدة طويلة مثل عملية السلام، والانفتاح على العلويين، ومنح حقوق للأقليات غير المسلمة وغيرها. وقد تبنت الحكومة خطابا يحث على إرساء قيم ديمقراطية أقوى، وتقديم المزيد من حقوق الإنسان، وناضلت من أجل ذلك منذ عام 2002.
واجه هذا النضال سلسلة من الردود القوية غير الديمقراطية منذ عام 2013، بدأت مع احتجاجات حديقة “غيزي” العنيفة، واستمرت بمؤامرة الشاحنة التي استهدفت جهاز المخابرات الوطني التركي، ومحاولة الانقلاب القضائي من قبل أعضاء منظمة فتح الله غولن، الذين تغلغلوا في القضاء بين 17 و25 ديسمبر 2013، وأحداث السادس والسابع من أكتوبر 2014، وأخيرا محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة يوم 15 يوليو 2016 من قبل منظمة غولن.
الذكرى المئوية لجمهورية تركيا
وفي الطريق إلى انتخابات 2023، عمدت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى التصدي للجهود المزعزعة للاستقرار التي حدثت منذ عام 2013، ووفت بوعودها الانتخابية من خلال التركيز على التنمية والخدمات والسياسات الموجهة نحو الاستثمار، ونجحت في إجراء إصلاحات ساعدت على إعادة هيكلة آليات الدولة.
نتيجة لذلك، تمثل الانتخابات الحالية التي تصادف الذكرى المئوية لجمهورية تركيا، منعطفا حاسما جديدا لحزب العدالة والتنمية. فهي حقبة جديدة يمكن فيها لحكومة هذا الحزب إكمال المشاريع التي استأنفتها وتحقيق إصلاحات جديدة. وقد جرت مراجعة جميع البيانات الانتخابية للحزب وفقا لظروف تركيا المتغيرة ومطالبها وتوقعاتها الاجتماعية والسياسية. وتتضمن البيانات مشاريع كبيرة تجذب انتباه الناخبين، وقُدمت لهم قوائم واسعة من المشاريع المُنجزة والجارية.
إن هناك اختلافات كبيرة بين البيان الذي أعده حزب العدالة والتنمية للانتخابات الحالية وبين بيانات الأحزاب السياسية الأخرى.
فالعدالة والتنمية يذكّر الناخبين بكل ما حققه حتى الآن تحت شعار “ما فعلناه هو ضمان لما سنفعله”، وأحزاب المعارضة تروّج لسياسات شعبوية ذات طابع “فقاعي”.
وفي الأخير، يكمن سر حشد الحزب للملايين، في رأس المال السياسي للحزب الذي حققه طوال فترة حكمه التي دامت 21 عاما، والسياسات التي انتهجها خلال حكمه.