بقلم: أحمد يونس – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- تجري في مدينة جدة السعودية، وبسرية تامة و”تكتم” ملحوظ، مباحثات معقدة ودقيقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بوساطة سعودية – أميركية تهدف إلى تهدئة الأوضاع ووقف الاقتتال المستمر بين الطرفين منذ قرابة الشهر، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب، ولا تُعرف على وجه الدقة “أوراق التفاوض” التي قدمها ويقدمها كلا الطرفين لتحسين موقفه التفاوضي.
ولم تكشف الوساطة المشتركة عن أي معلومات عما يدور داخل “الغرف”؛ ما اضطر وسائل الإعلام إلى الاعتماد على “مصادر مجهولة”، وتحليلات تستند إلى متابعتها لما يجري على الأرض في الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، مثلما لم تكشف عن تقديمها مقترحات محددة للطرفين للاتفاق عليها، فما هي مصادر قوة المتفاوضين من الطرفين للحصول على أكبر حصة ومكاسب، بعد أن عجزا عن حسم المعركة ميدانياً طوال الأسابيع الماضية.
ويقول مستشار الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء معتصم عبد القادر الحسن، إن أقوى أوراق الجيش السوداني تتمثل في تمسكه بـ”استسلام” قوات الدعم السريع، وعودة أفرادها إلى ثكناتهم خارج العاصمة الخرطوم، قبل توقيع أي اتفاق. ويرى أن الجيش “لن يقبل بأقل من ذلك”، وتابع “الجيش السوداني، لن يقبل بأقل من استسلام قيادة الدعم السريع، وتقديمهم لمحاكمات لتمردهم على القيادة العسكرية”، وأضاف “الخياران أمام الجيش السوداني: أن يتم الحسم عبر التفاوض وهذا هو الأفضل، أو هزيمة القوات المتمردة وإجبارها على قبول الاستسلام”.
في حين قال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر: إن الطرفين “غير مؤهلين” للوصول لتسوية توقف الحرب وتعود بالبلاد إلى الانتقال المدني الديموقراطي، موضحاً أن الوصول لحل “يتطلب أن تتجه القوى المدنية المعنية بالانتقال المدني الديموقراطي، لإجراء حوارات مفتوحة مع الطرفين تتم بموجبها استعادة المسار الوطني الديموقراطي، وتوحيد الجيوش عبر الحوار والتفاوض، وهو ما فشلت فيه الحرب حتى الآن”.
ويرى خاطر “أن أي حل يتم الوصول إليه عبر القوة العسكرية، لن يحل مشاكل البلاد، بل يزيد تأزيمها ويحمل في طياته نزر حروب قادمة”. وأوضح، أن الحرب نشبت بين الطرفين “على قضايا فنية، كان يمكن حلها بالحوار والتفاوض، وكادت القوى المدنية أن تقود العملية إلى بر الأمان”. وتابع “دمج القوات في الجيش عملية مهمة وأساسية، لكنها لن تتم بالقوة، ولا يستطيع أي من الطرفين فرضها على الآخر”.
ودعا خاطر قوى الثورة المدنية “إلى رص صفوفها لتقديم رؤى سياسية ديموقراطية تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، وتعود بها إلى الحلول المدنية للقضايا الوطنية”، مستبعداً وجود “عناصر قوة تفيد أياً من الطرفين في تحقيق مكاسب عجز عن تحقيقها في الأرض، وتسرع في الحصول عليها بالدخول في الحرب”.
من جهته، يقول ماهر أبو الجوخ، وهو صحافي من المتحدثين باسم القوى الموقّعة على الاتفاقية الإطارية، في إفادة مكتوبة إن “أقوى أوراق الجيش هي رهانه على رفض الأطراف الإقليمية والدولية فكرة إحلال ميليشيا في الجيش، وتفوقه النوعي في أسلحة الردع: قوات جوية، مدفعية بعيدة المدى، مدرعات، إلى جانب أن ساحة المواجهة مقتصرة على العاصمة، مع وجود غضب شعبي ضد الدعم السريع؛ بسبب تكوينه القبلي، وارتباطه بجرائم حرب في دارفور، ومشاركته في فض اعتصام القيادة، وما يواجهه من اتهامات بضلوع قواته في جرائم سلب ونهب، والاستيلاء على منازل وممتلكات المواطنين التي زادت من الحنق عليه”.
ويرى أبو الجوخ “أن أبرز أوراق الضغط التي يملكها الدعم السريع، تتمثل في معرفته المسبقة بضعف الجيش في سلاح المشاة، وتبنيه تكتيكات حجّمت من عوامل تفوقه النوعي، المتمثلة في الطيران الحربي والمدفعية والمدرعات، وذلك بالتواجد داخل الأحياء والتحرك في أرتال صغيرة ومسافات متباعدة، وتركيزه للمعركة في الخرطوم، باعتبارها الأكثر تأثيراً في حسم المواجهة وإنهاء المعركة سياسياً وعسكرياً”. ويضيف “لا يعتمد الدعم السريع على السيطرة على المواقع، لكونها تُمكّن من حصار قواته؛ لذلك يتبنى استراتيجية الكرّ والالتفاف السريع لتطويق أي قوات مهاجمة، مستغلاً عربات الدفع الرباعي، وتكتيك حرب السيارات في المواجهات الميدانية، في مقابل التكتيك التقليدي للجيوش بالتقدم سيراً على الأقدام”.
ووفقاً لأبو الجوخ “فإن الدعم السريع يراهن أيضاً على الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها، وحصاره لنصف القيادة العامة”.
ويتابع “تعتبر أقوى أوراق الدعم السريع، إعلانه خوض الحرب ضد حزب البشير المحلول وعناصره العسكرية، باعتبارها فئة غير مرحب بعودتها شعبياً وإقليمياً ودولياً، والتي عززها الظهور الإعلامي اللافت لعناصر نظام البشير”.
ويرى أبو الجوخ أن الدعم السريع يتفوق في الإعلام الحربي على إعلام الجيش، ويقول “دائماً يلجأ لفيديوهات تعزز أي تصريحات يقدمها في مسار المعركة؛ ما يجعل التصريحات المنسوبة إليه ذات مصداقية أعلى، في حين يلجأ الجيش لاستخدام أساليب الحرب النفسية والدعاية؛ ما جعل رواياته تظهر بأنها لا تتوافر لها المصداقية والدقة”.
أكد القائد البارز في الجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، أن القوات المسلحة السودانية تسيطر بالكامل على كل ولايات البلاد، باستثناء بعض الجيوب، متهماً إعلام “الدعم السريع” بالكذب لرفع معنويات أفرادها. وقال إن قوات المتمردين تم تدميرها بمعركة القيادة العامة التي وصفها بأنها “أم المعارك”.
وأكد العطا، وهو عضو مجلس السيادة الحاكم في السودان، أن ميليشيات “فاغنر” الروسية، موجودة في مناطق استخراج الذهب في السودان، وعلى الحدود مع ليبيا وأفريقيا الوسطى، وأن “كل العالم يعرف أماكن وجودها”. وكشف عن أن “قائد التمرد” (حميدتي) يملك مخزوناً كبيراً من الذهب (53 طناً في روسيا، و22 طناً في دولة أخرى شقيقة وداخل السودان).
وعن مشاركة “فاغنر” في القتال السوداني، قال إن لدى قواته “قتيلاً قناصاً من عناصر (فاغنر)”. ولم يستبعد دخول أطراف إقليمية ودولية في الحرب، قائلاً إن “هناك معلومات تردنا ولم نتأكد من صحتها، بأن هناك محاولات لدول شقيقة للبحث في مساعدة الميليشيات”.
وكشف الفريق العطا عن أن “عناصر المتمردين” يطلقون على “حميدتي” لقب “الأمير” وحاكم السودان، وأن “طموح قادة (الدعم السريع) غير العقلانية، قادتهم إلى هذه المحرقة”.
وشكر العطا المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على وساطتهما لإنهاء القتال في السودان، لكنه أكد أن هدف الحوار بالنسبة للجيش هو إخراج القوات المتمردة من العاصمة الخرطوم وحصرها في معسكر واحد؛ تمهيداً لضم العناصر الصالحة منها إلى الجيش وتسريح الباقي، ومحاكمة كبار قادة “الدعم السريع”. وقال إن حميدتي سيواجه تهمة “الخيانة العظمى”، وسيجرد من ألقابه ورتبه، بأول جلسة مقبلة للمجلس السيادي السوداني.
ونفى العطا إمكان تحول النزاع الحالي إلى حرب أهلية؛ لأن الجيش وقيادته يمثلان كل مناطق السودان وقبائله. ووصف دور رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس بأنه “دور سلبي للغاية، والأفضل إبدال مبعوث آخر محايد مكانه”.