بقلم: أزراج عمر- النهار العربي
الشرق اليوم– في اللقاء الذي جمعه يوم السبت الماضي، من هذا الشهر ببعض ممثلي وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للدولة وللقطاع الخاص معاً، ألحَ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بدعوته إلى ضرورة تأسيس نقابة للصحافة الجزائرية قائلاً إن قطاع الإعلام ركن مهم من القوة الناعمة التي تحتاج إليها الدولة الجزائرية، وفي الوقت نفسه أكد أن القانون فوق الجميع وأنه ينبغي أن تتجاوز الصحافة عادة “خالف تعرف” وممارسة التشهير بالمسؤولين وخدش سمعة الناس والاعتداء على أعراضهم.
وفي هذا الخصوص دعا الرئيس عبد المجيد تبون الإعلاميين الحاضرين وجميع الإعلاميين عبر الجزائر العميقة إلى تأسيس هيئة أخلاقيات مهنة الإعلام التي يرى أنه ينبغي أن تتولى تقييم وتقويم الممارسات الاعلامية في الجزائر بدلاً من تكليف المحاكم بالتدخل عند ارتكاب الصحافيين أخطاءً مهنية كما حصل، مثلاً، منذ مدة قصيرة مع عدد من الإعلاميين، من بينهم صحافي ينتمي إلى جريدة الشروق اليومي قام بنشر مقال اعتبرته السلطات مسيئاً إلى سمعة التمور الجزائرية التي تُصدّر إلى فرنسا وغيرها من البلدان الأجنبية، فاعتقل ذلك الصحافي جراء ذلك لفترة من الزمن.
فتح الإعلاميون الحاضرون في لقاء الرئيس باب النقاش مع الرئيس تبون حول مسائل عدة، وفي مقدمها حرية الإعلام في الجزائر وموقف منظمة “مراسلون بلا حدود” من السلطات الجزائرية، وغياب الإعلام الجزائري عن الساحة الدولية والاكتفاء بالدوران النمطي في الفضاء المحلي المغلق، ومشكلات الطباعة والورق والتوزيع وغيرها من المشكلات التي لم تعالج إلى يومنا هذا.
ومن الملاحظ أن معظم مداخلات هؤلاء المشاركين في اللقاء قد اكتفت غالباً بإثارة مشاكل جزئية حيث غلبت عليها نبرة استعطاف رئيس الدولة الذي ظهر في اللقاء أكثر إحاطة بالمشكلات التقنية والاستراتيجية التي ما فتئ يعاني منها الإعلام الجزائري المكتوب والمسموع والمرئي بشكل خاص.
والغريب في الأمر هو أن تلك المداخلات لم تتعرض بالتحليل والنقد لتراجع مستوى الاعلام الجزائري الذي لم يعد يحرك الشرائح الشعبية وينشر الوعي النقدي بين أوساطها، جراء استغراقه في “ثنائية” مدح الملك أو طلب عفوه في الغالب لأسباب كثيرة، منها أن نسبة كبيرة من هؤلاء الإعلاميين هم معروفون بولائهم للسلطة ويتكرر وجودهم دوماً في مثل هذه اللقاءات التي يعقدها الرئيس تبون معهم في قصر المرادية دورياً، فيما تخلت نسبة أخرى منهم عن لهجتها النقدية نتيجة الأطماع في حصول مؤسساتهم الإعلامية االمختلفة على ريع الاشهار الذي يسيل لعابها.
وهنا ينبغي طرح هذا السؤال المركب: هل توجد حرية أعلامية في الجزائر، ولماذا هذا الإلحاح من طرف الرئيس تبون على تأسيس نقابة الصحافة وضرورة الإسراع في تشكيل هيئة أخلاقيات المهنة الاعلامية؟، وما هي أسباب ضعف الأداء الإعلامي الجزائري على المستويين الوطني والدولي سواء كان تابعاً للحكومة أو للقطاع الخاص؟
لا أحد ينكر وجود أشكال متنوعة، بعضها رمزي وبعضها الآخر مادي، من رقابة السلطات على وسائل الإعلام، والدليل على ذلك هو أن الإعلاميين الجزائريين قد تعرضوا فعلاً للمساءلة على مستوى المحاكم وجهاز الأمن معاً، وهناك عدد منهم تعرضوا للاعتقال لفترة من الزمن.
في هذا السياق يرى المراقبون السياسيون أن مثل هذه الحوادث تطفو على السطح باستمرار في الجزائر جراء مرور البلاد بأزمات معقدة بدءاً من أزمة الثقة في القيادات السياسية في أعلى هرم السلطة وعلى مستوى المحافظات والبلديات، ومروراً بالأزمة الناتجة من مرحلة الحزب الواحد اللاغية لثقافة الحوار وللرأي الآخر المختلف، ثم مرحلة الصراع المسلح طوال العشرية الدموية، ووصولاً إلى فترة التعددية الحزبية التي تميزت بطابع المراهقة السياسية، ثم انتهاءً بفشل حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في البناء الصحيح والإيجابي على نتائج المصالحة الوطنية ما أدى إلى عودة حكم الرجل الواحد ومعه الشلّة الواحدة التي حوّلت المشهد السياسي الجزائري إلى فولكلور نخبوي متزمت وفاسد.
من هنا يبدو واضحاً أن الإعلام الجزائري هو وليد مركب الأزمات التي أصبح يتنزه عليها حيناً ويكرسها حيناً آخر ويعالجها بلغة الإثارة والهيجان في طور آخر.
بناءً لما تقدم، فإن ظاهرة تقييد حرية التعبير في وسائل الإعلام الجزائرية المختلفة هي عرض ونتاج لأزمة عدم الانتقال التدريجي السلس من طور الحزب الواحد وبناه القمعية إلى طور التعددية السياسية الناضجة، وفي هذا الإطار العام لا ينبغي استبعاد المؤثرات السلبية لفشل مشاريع التنمية التي لم تخلق مجتمع الرفاه الاجتماعي والوفرة الاقتصادية والاقلاع الصناعي ضمن أطر ثقافة الحداثة التنويرية المادية والروحية.
من الملاحظ أيضاً أن الرئيس تبون لم يشر في لقاء السبت الماضي إلى أن نقابة الصحافة الوطنية كانت موجودة في فترة ثمانينات القرن العشرين في صورة اتحاد الصحافيين الجزائريين التابع تنظيمياً لحزب جبهة التحرير الوطني، ولكن مرحلة التعددية الحزبية قد قضت عليها جراء تفشي نزعة التناحر بين الأحزاب الناشئة فضلاً عن تشتت روابط وهيئات وتنظيمات المجتمع المدني التي كانت تابعة هيكلياً على الأقل لحزب جبهة التحرير الوطني قبل تلك التعددية الحزبية.
ويرى المراقبون السياسيون أن إلحاح الرئاسة الجزائرية على إنشاء هيئة أخلاقيات المهنة يهدف ضمنياً إلى نقل الصراع الحاصل راهناً بين السلطة وبين وسائل الإعلام، خصوصاً التابعة منها للقطاع الخاص، إلى داخل هياكل هيئة أخلاقيات المهنة نفسها وبذلك تنزع وزارة الاتصال المكلفة الإعلام عن نفسها صفة الخصم لتظهر أمام الرأي العام الإعلامي الجزائري كحكم يدير لعبة التناقضات خارج سياجها.
ولكي يتطور اللقاء الدوري الذي يجمع بين الرئيس الجزائري وممثلي وسائل الإعلام الوطنية المختلفة، يقترح خبراء الإعلام مجموعة من الآليات منها تجنب الدوران النمطي حول أخلاقيات المهنة التي يفترض أن تحدد سلفاً في أطر تشريعات البرلمان بمشاركة خبراء الإعلام وأطياف المجتمع المدني، أو حصر مشاكل الإعلام الجزائري في عدم إنشاء النقابة التي يفترض أن تتولى فقط حل القضايا المهنية، والاجتماعية للإعلاميين مثل التكوين المستمر، وضمان الوصول إلى المعلومات، والمعاشات، والسكن، والتقاعد وغيرها.
والحال، إن المطلوب هو الشروع في معالجة المظاهر السلبية التي تشل مشهد الإعلام الوطني، وتساهم بالتالي في إضعاف الحياة السياسية برمتها، ومن هذه المظاهر غلق الجزائر أبوابها أمام الصحف والمجلات العربية والغربية والأفريقية والآسيوية، وغياب الإعلام الجزائري الدولي المتطور ما فوَت عليه فرص تقديم صورة الجزائر للعالم الخارجي، وتدهور دور وكالة الأنباء الجزائرية، وضعف دور الإعلام التربوي والثقافي الجزائري، وضمور النقد السياسي، وتفاقم مشكلة التمويل التي تحولت الى طعم توظفه جهات معروفة للحد من حرية التعبير، إلى عدم إنشاء المنابر الإعلامية المكتوبة باللغة الأمازيغية، الأمر الذي يجعل هذه اللغة مجرد فسيفساء من االلهجات الشفهية وفولكلوراً إثنياً تحركه الأهواء السياسية.