الرئيسية / مقالات رأي / كيف لتشارلز الثالث أن يُعيد لبريطانيا عظمتها!

كيف لتشارلز الثالث أن يُعيد لبريطانيا عظمتها!

بقلم: فيصل عباس- المصري اليوم

الشرق اليوم– فى عام 2016، كنت قد أنهيت للتو كتابى الذى سردتُ فيه تجربة عقد من الزمن تقريبًا عشتها فى عاصمة المملكة المتحدة، لندن. وقد اختتمت كتابى مُعتبرًا أن الكاتب الإنجليزى صمويل جونسون، الذى عاش فى القرن الثامن عشر، كان مُحِقًّا فى قوله إنه “عندما يتعب شخص ما من لندن، يكون قد تعب من الحياة؛ إذ يوجد فى لندن كلّ ما يمكن للحياة أن تُقدّمه”.

كان ذلك واقع الحال آنذاك، أما اليوم، بعد سبع سنوات من تصويتها للخروج من الاتحاد الأوروبى، يبدو أن لندن والمملكة المتحدة هما المتعبتان.

بتنا نعِى الآن أن مُعظم التصريحات التى أُدلى بها خلال الحملة الداعمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى كانت مبنيّة على أكاذيب وأن مُعظم الذين صوّتوا لصالح هذه الخطوة يشعرون بالندم. وقد أظهرت آخر استطلاعات الرأى أن 33 فى المائة فقط من الشعب البريطانى يعتقدون أن الخروج من الاتحاد الأوروبى كان قرارًا صائبًا، بينما يرى 55 فى المائة منهم أنه كان خطأً كارثيًّا.

وبالنظر إلى ما حصل منذ استفتاء عام 2016، مَن يُمكنه لومهم على ذلك؟. صحيح أن جائحة كوفيد- 19 والحرب فى أوكرانيا قدأضرّتا بالاقتصاد البريطانى، إلّا أن هذه الأحداث أثّرت على كافّة البلدان الأخرى أيضًا.

وفى حين أن هذه البلدان قد تعافت إلى حدّ كبير، تشير توقّعات منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى (OECD) إلى أن أداء الاقتصاد البريطانى سيكون الأسوأ بين اقتصادات مجموعة السبع خلال العامين المقبلين.

كما توجّه كبير الاقتصاديين فى بنك إنجلترا إلى البريطانيين الشهر الماضى مُعتبرًا أنه سيتعيّن عليهم ببساطة تقبّل فكرة أنهم باتوا أفقر ممّا كانوا عليه من قبل.

وفى الوقت نفسه، لم يُساعد تغيّر الأشخاص الذين تولّوا منصب رئاسة الوزراء بشكل مُتكرّر على تعزيز الاستقرار السياسى الداخلى، فتيريزا ماى استقالت عام 2019 بعد أن فشلت فى تنفيذ الإجراءات اللازمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى واستُبدلت ببوريس جونسون.

وبعد ثلاث سنوات مثيرة للجدل وفضيحة «بارتيغيت»، استقال جونسون، مُفسحًا الطريق أمام ليز تراس، التى لم تمضِ فى منصبها إلّا 45 يومًا لحسن الحظّ. كانت فترة تولّى «تراس» هذا المنصب هى الأقصر فى التاريخ السياسى لبريطانيا وتمّت مقارنتها بفترة صلاحية الخسّ فى السوبرماركت.

وقد تمكّن رئيس الوزراء البريطانى الحالى ريشى سوناك من إعادة الهدوء على الأقلّ، إلّا أن نتائج الانتخابات المحلية التى أُجريت يوم الخميس تُشير إلى احتمال دفعه إلى الاستقالة عند إقامة الانتخابات العامة المقبلة، أى فى شهر أكتوبر من عام 2024.

أما دوليًّا، فولّت أيّام الإمبراطورية البريطانية بالطبع. وبتنا نرى بعض دول الكومنولث- أى بديل الإمبراطورية- تقاوم بشكل متزايد فكرة أن يكون رئيس دولتها أجنبيًّا، بخاصّة أستراليا وجزر الكاريبى.

ويبدو أن «العلاقات المميّزة» مع الولايات المتحدة، التى كثيرًا ما يتمّ التباهى بها، تعتمد على مزاج الرئيس الأمريكى. ومنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، أصبحت الكثير من الدول تنظر إليها على أنها جزيرة منعزلة موجودة قبالة السواحل الأوروبية.

إذا ما شعرتم أن كلّ ما قلته يدعو إلى التشاؤم والكآبة.. فأنتم مُحِقُّون. ولكن، لا داعى لأن يكون هذا واقع الحال، فمع تجمّع قادة العالم فى لندن يوم السبت لحضور حفل تتويج الملك تشارلز الثالث، هل يمكن أن يكون لدى الملك الجديد ما يلزم من الصفات من أجل أن (باستخدام عبارة مُستعارة) يُعيد لبريطانيا عظمتها؟.

يبدو أن الشعب البريطانى يعتقد ذلك، إذ فى حين تميل نسب تأييد معظم القادة السياسيين إلى التراجع كلّما طالت فترة بقائهم فى مناصبهم، تشهد نسبة تأييد الملك تشارلز ارتفاعًا، فقد أظهر استطلاع رأى أُجرى فى شهر مارس أن 39 فى المائة من الشعب البريطانى يعتقدون أنه سيكون ملكًا جيدًا وعاد وأظهر الاستطلاع نفسه هذا الأسبوع أن هذه النسبة قد ارتفعت إلى 62 فى المائة.

وفى وقت تشهد البلاد فيه اضطرابًا فى السياسات الداخلية، ما من وقت أنسب لتستخدم ورقتها الرابحة: أى القوة الناعمة والتاريخ والتقاليد، عناصر تتمثّل كلّها فى ملك فعّال ومحبوب شعبيًّا.

قلّة هم الأشخاص الذين يعرفون عن «العلامات التجارية» الوطنية أكثر من سيمون أنهولت المعروف بكونه الجهة المرجعية الدولية الرائدة فى مجال سمعة البلدان. أنهولت شخص واضح وصريح.

وفى مقابلة أجراها مع صحيفة عرب نيوز فى شهر نوفمبر الماضى، قال هولت إن وجود نظام ملكى فعال يعطى أموال دافعى الضرائب قيمةً جيدةً.

وشرح قائلًا: «عائد وجود هذه الأنظمة بالنسبة إلى سمعة البلاد من حيث قيمة العلامة التجارية البحت يقدّر بالمليارات. الناس يحبون العائلات الملكية، بخاصّة أولئك الذين يعيشون فى بلدان أنظمتها ليست ملكية، فمن دون العائلة الملكية، لما حظيت المملكة المتحدة بهذا القدر من الاهتمام».

كيف يمكن للملك تشارلز أن يُحدث فرقًا إذًا؟. أولًا، لطالما كان شغوفًا إزاء حماية البيئة. على الرغم من قصر الفترة التى أمضتها فى منصبها، نجحت ليز تراس فى الحؤول دون مشاركة الملك الجديد فى مؤتمر المناخ (COP27)، الذى أُقيم فى مصر فى شهر نوفمبر.

وكانت هذه الخطوة، كما كتبت آنذاك، تفتقر إلى الحكمة. ويشكّل مؤتمر المناخ (COP28)، الذى سيُقام فى دبى فى نهاية هذا العام، فرصةً لتصويب هذا الخطأ من خلال مشاركة الملك الجديد فيه، كما أنه يجب ألا يقف عند هذا الحدّ، فمبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر تشكلان فرصةً أخرى ليسخّر الملك مؤهلاته البيئية والعلاقات الدائمة، التى بُنيت مع دول الشرق الأوسط عندما كان وريث العرش بشكل يخدم مصلحة بريطانيا.

وتُعتبر إقامة علاقات أوسع مع الخليج خطوةً واعدةً أيضًا، فكما قال الخبير فى مجال السياسات التجارية الأوروبية والبريطانية، بول ميكغرايد، خلال مقابلة أجراها مع صحيفة عرب نيوز فى شهر يناير، فى حين أن بريطانيا واجهت صعوبةً، منذ خروجها من الاتحاد الأوروبى، فى التوصّل إلى اتفاقات تجارية مع بلدان العالم.

تبقى أبواب دول مجلس التعاون الخليجى مفتوحةً، فشرح قائلًا: «باتت الدول الخليجية أهمّ من أى وقت مضى، لا فيما يخصّ مجال الطاقة فحسب، بل بفضل الأسواق التى تُمثّلها والاستثمارات والشراكات التى تسعى لإقامتها أيضًا».

وبعد أن أدرك أخيرًا الأهميّة المتزايدة لدول مجلس التعاون الخليجى، قام الاتحاد الأوروبى بتعيين لويجى دى مايو كأول مبعوث خاص له إلى الدول الخليجية. ومع فائق احترامى لوزير الخارجية الإيطالى السابق، إلّا أن الملك تشارلز قادر على تحقيق نتيجة أفضل لبريطانيا بمنتهى السهولة.

وكما قال سيمون أنهولت: «تُظهر البيانات بوضوح أن السبب الأول الذى يدفع الناس إلى تقدير بلد ما هو اعتقادهم أنه يقدّم شيئًا ما للبشرية والكوكب»، ومَن يمكنه أن يجسّد هذا الدور لبلده أكثر من الملك تشارلز؟.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …