بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- مارست الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة ضغوطاً مكثفة على طرفي النزاع في السودان، قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وبالتنسيق بين واشنطن والرياض التي اضطلعت بدور رئيسي في جهود إجلاء آلاف الأجانب الفارين من جحيم المعارك، برز أمل في الساعات الأخيرة بمبادرة سعودية-أمريكية مشتركة لاستضافة ممثلين عن طرفي النزاع في مدينة جدة للبحث في التوصل إلى هدنة جدية مستدامة.
ولوحظ في الأيام الأخيرة، أنه كان ثمة تدرجاً أمريكياً في توصيف الأزمة. مديرة الإستخبارات الوطنية أفريل هاينز، بدت متشائمة إلى أقصى الحدود أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، عندما حذرت من انزلاق الصراع الدائر حالياً إلى حرب “طويلة الأمد” ستمتد لاحقاً إلى الجوار السوداني الهش أصلاً والمشبع بالأزمات، من صراعات عرقية وحروب أهلية، وفوضى ومشردين وأزمات إقتصادية وإجتماعية، نتيجة صراعات على السلطة وتقاسم المغانم والنزاع على النفوذ.
ورفع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان التحدي إلى درجة أعلى، بتحذيره من أن الحرب الدائرة في السودان تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة. وانخرط وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في محادثات هاتفية مع وزيري الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والمصري سامح شكري، فضلاً عن اتصالات مع البرهان ودقلو أثمرت في نهاية المطاف عن موافقة الطرفين على إرسال مبعوثين إلى مدينة جدة السعودية من أجل البحث في هدنة إنسانية دائمة، لا تكون على غرار الهدنات المتتالية التي لم تصمد منذ تفجر القتال في 15 نيسان (أبريل) الماضي.
سبق الاتفاق على اجتماع جدة، تحذير بلغة إنذار أطلقه الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن فيه أن أمريكا ستفرض عقوبات على طرفي النزاع في حال لم يتوقف القتال ويُفسح في المجال أمام فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى السكان المحاصرين، ويكون في الإمكان للراغبين في المغادرة أن يغادروا بآمان.
الأمين العام للأمم المتحدة دق ناقوس الخطر، محذراً من توسع الحرب إذا استطالت. وأكد نائب الناطق باسمه فرحان حق، أن برنامج الغذاء العالمي “يتوقع أن عدد الأشخاص الذين يعانون فقداناً حاداً في الأمن الغذائي في السودان سيرتفع ما بين مليونين و2,5 مليون شخص. هذا سيرفع العدد الإجمالي (لهؤلاء الأشخاص) الى 19 مليوناً في الفترة بين الأشهر الثلاثة والستة المقبلة في حال استمر النزاع الحالي”.
وفي أرقام صادمة، قالت منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة “يونيسف ” أن هناك تقارير تفيد بسقوط سبعة أطفال كلّ ساعة بين قتيل وجريح.
هذا يشير إلى سرعة سقوط السودان في مهاوي أزمة لا قعر لها. وفاقت أعداد اللاجئين إلى دول الجوار المئة ألف في مدة قياسية. هؤلاء فقط من بين الذين تمكنوا من أن يجدوا وسيلة للفرار. لكن لا يزال ملايين السودانيين العاديين محاصرين في منازلهم بالخرطوم من دون أن يعثروا على منفذ للهروب، وسط تردٍ متزايد في الأوضاع الصحية وخروج معظم مستشفيات الخرطوم عن الخدمة أو تعرضها للنهب.
إن السودان يتعين أن يحتل أولوية لدى الأسرة الدولية على رغم كل الإنشغالات بالحرب الروسية-الأوكرانية، أو بالتوتر بين الصين وتايوان والحشود العسكرية في المحيطين الهادئ والهندي…أو حتى بالمخاطر المتأتية عن برامج الذكاء الإصطناعي!
ولا تقل المأساة التي تنتظر السودان عن تلك التي حلت بأوكرانيا. وإذا كان المجتمع الدولي قد تغاضى في الأعوام الأربعة الأخيرة منذ سقوط نظام عمر البشير، عن ممارسات البرهان ودقلو، فليس مستغرباً أن يصل السودان إلى هذه المرحلة الخطيرة.
وأخطأت الولايات المتحدة والإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي في تهميشها للقوى المدنية التي برزت بعد الانتفاضة الشعبية التي أسقطت البشير، وانسياقها وراء وَهْم أن الجنرالات يمكن أن يقودوا البلاد إلى الحكم الديموقراطي وحكومة منتخبة.
تبين أن الجنرالات كل همهم كان الاحتفاظ بالسلطة، وشراء الوقت، وتفتيت القوى الحية في المجتمع السوداني، بهدف واحد وهو الإمساك بمقدرات البلاد وإجهاض عملية الإنتقال السياسي أكثر من مرة.
إن إستفاقة أمريكا ربما أتت متأخرة.