بقلم: بسام البدارين- القدس العربي
الشرق اليوم– لا أحد عمليا خصوصا في الدول التي تبني نماذج ديمقراطيتها بصورة زاحفة أو بطيئة يمكنه أن يطالب السلطة ـ أي سلطة ـ بالتنحي أو إخلاء مقاعدها لوجوه مستجدة أو لا تملك الخبرة الكافية أو محتفظة بأجندات يمكنها أن تعبث بالمعادلات بأي وقت.
من هنا يمكن الانتباه مجددا إلى تلك الجزئية في مشهد تحديث المنظومة السياسية الأردنية التي تؤسس فارقا ملحوظا وقد يصبح ضارا على المستوى الوطني لاحقا ما بين دور السلطة في الإشراف والرعاية وتمكين التحديث السياسي ودعم وإسناد التجربة الحزبية الجديدة، وبين دورها في ترتيب كل الأوراق لا بل وفي التدخل بكل الترتيبات بطريقة تحيل المؤسسة الرسمية والحكومية من حارس بوابة للديمقراطية وللعمل الحزبي، وظيفته الدعم والإسناد والسهر على مراقبة المشهد، حرصا على المصالح الوطنية الى «فلتر» بالقطعة والتقسيط يتدخل فيما لا يعنيه ويتصور أن وظيفته «الوطنية» والتي تنسجم مع «متطلبات الولاء» التدخل في كل تفعيلات عملية «الطهي». لا بل التدخل ورسم السيناريوهات بصيغة تعيق الحسابات وتؤسس لتكرار ما كان يحصل في الماضي، مع أن ما كان يحصل في الماضي ليس كله سيئا أو سلبيا، بل بعضه ساهم في الحفاظ على البلد وعزز قيمة الأمن والاستقرار.
عندما يتعلق الأمر بتحديث المنظومة السياسية في البلاد ثمة ضمانات أكيدة للدولة لا يناقشها أحد. وجميعا نحن معشر المراقبين عندما انطلقت نشاطات وفعاليات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية رصدنا بالملموس حالة توافق وطنية واجتماعية، كان يمكن فعلا البناء عليها. وحظيت في الكثير من تفاصيل النقاشات السلطة الرسمية في الأردن بضماناتها، وشعرنا جميعا بأنه آن أوان طي الصفحة الخاصة بالماضي والانطلاق نحو المستقبل. لكن الطريقة التي نسمع بها هنا وهناك من حالات خطوبة وأحيانا زواج بين أحزاب صغيرة، بعضها متعثر وبين شخصيات لديها طموحات في العمل الحزبي تؤشر على أن السلطة تتحول إلى رب منزل عمليا، تصالح ما بين المتخاصمين وتدير بصفة مؤقتة المسائل والخلافات والخصومات لا بل تختار وتحسم في بعض الأحيان.
وليس سرا هنا أن أحد كبار النشطاء في منطوق تحديث المنظومة السياسية يتحدث عن تدخلات على شكل تعيينات ووظائف ومناقلات بين الأحزاب الجديدة لا بل داخل بعض الهيئات الحزبية. ذلك إذا كان واقعيا واستمر يعني مجددا الغرق في تداعيات مراكمة الطموحين والمستوزرين والباحثين فقط عن «مقعد نيابي» في أحزاب جديدة بلا برامج.. أشك شخصيا في أن ذلك هو المطلوب والمقرر، وأشك في أن البلاد يمكنها أن تستفيد مستقبلا بعملية «إعادة تدوير» لأننا سنرى حتما نفس الوجوه التي يشتكي منها الجميع اليوم.
الصورة هنا قد تنطوي على بعض المبالغة وإثارة الدراميات، لكن إذا تعلق الأمر بمستقبل الخارطة الحزبية مادام هو المستقبل السياسي «حزبي بالمطلق» كما قالت المرجعيات لا بد من التوقف عند التفاصيل ورؤية ذلك الفارق بين الهندسة مجددا لعملية إصلاحية دفع الوطن برمته كلفة وفاتورة مرتفعة جراء المرحلة الأولى فيها، وهي هندسة قد تستمر بصيغة مؤذية لجميع الأطراف. ليس هكذا تورد الإبل.
ولا زلنا نتذكر بأن حالة الزواج بين السلطة والعمل الحزبي تحتاج إلى مرحلة أطول من استعادة الثقة حيث أن الأحزاب أيضا بصرف النظر عن هويتها الأيديولوجية وطبيعة النشطاء الذين يؤسسونها ستحظى بحصة من الكعكة وستجلس وتتموقع وستكون لها احتياجات ما دامت قد منحت الضوء الأخضر.
والمطلوب اليوم ليس فقط التركيز على التمكين الاقتصادي بل التركيز وداخل النخبة التي تحكم القرار وتمارس السلطات التنفيذية والحكومية والأجهزة البيروقراطية على تمكين مشروع تحديث المنظومة نفسه لضمان بقائه على السكة.
نعلم مسبقا أن العملية صعبة، لكن مادامت تتعلق بالمستقبل لا بد من توقف الطريقة التي تدار فيها بعض الأمور، فالسلطات مطالبة بالسهر على التجربة والتحديث وليس التدخل في هذه التجربة لا بل بتفاصيلها الصغيرة.
يدهشني هنا مجددا استعادة المشهد السينمائي العربي التاريخي في فيلم مصري يصيح فيه المنادي بالقرية بأن «زواج عتريس من فؤادة باطل».
وما نريد قوله هنا إن الزواج بالطريقة الحالية بين الأحزاب السياسية والهندسة في السلطة قد لا يكون باطلا ولكنه لن ينجح على الأرجح في تأسيس مؤسسة سياسية اجتماعية تحرك المطلوب تحريكه في المجتمع، ما دامت المسألة مرتبطة بالرغبة في السيطرة على الإيقاع وضبط الإعدادات على مقاس رسمي، ضمن مؤسسات بيروقراطية عموما، لا تؤمن أصلا لا بالإصلاح السياسي ولا بالديمقراطية ولم تختبر قبل ذلك الأحزاب السياسية.
الفارق كبير بين المدرستين في الإدارة ولا بد من الانتباه حتى لا نصيح معا مثل منادي القرية وهو يتحدث عن الفنانة الراحلة شادية بصوت مرتفع ووسط الناس قائلا بأن زواج عتريس من فؤادة باطل و ما نريده زواج حقيقي حتى على الطريق الكاثوليكية عندما يتعلق الأمر بالإصلاح السياسي يضمن للتحديث أولا التمكين ثم الاستمرارية.