بقلم: النور أحمد النور – الجزيرة
الشرق اليوم- يتوقع مراقبون أن يخرج قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بقواته من الخرطوم إلى إقليم دارفور -إذا خسر معركة العاصمة- لقيادة تمرد مسلح من هناك، مما يتيح له العودة إلى السلطة عبر تسوية سياسية، لكنهم يعتقدون أن الإقليم مرشح لحرب أهلية بسبب الصراعات الإثنية والتعقيدات الأمنية في الدول الأربع المتاخمة له.
يقول الخبير في قضية دارفور خاطر عثمان إن حميدتي بخبرته القتالية وثروته الضخمة التي جناها من الذهب ومشاركة قواته في حرب اليمن، يمكن أن يقود تمردا مؤثرا في الإقليم، وينسج تحالفات محلية مع مجموعات قبيلة، خصوصا أن لديه مخزونا كبيرا من المقاتلين وعلاقات مع قوى خارجية ستمده بالسلاح عبر حدود الإقليم الممتدة مع 4 دول غير مستقرة.
طموح حميدتي ليس دارفور – وإنما حكم البلاد بعدما صار الرجل الثاني في الدولة، وإذا خسر حرب الخرطوم فسيعود إليها عبر دارفور، ولن يتخلى عن طموحاته بسهولة.
وأشار إلى أن رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان الحالي قاد تمردا على الجيش الحكومي بقيادة رئيس البلاد سلفاكير ميارديت، وعاد إلى موقعه عبر تسوية رعتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” (IGAD)، بعد مقتل عشرات الآلاف في المواجهات العسكرية بين الطرفين.
في المقابل، يعتقد خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاجتماعية اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن حميدتي يخوض معركة وجود بالنسبة له، لأنه نقل ثقله العسكري إلى الخرطوم لتنفيذ مشروع لحكم البلاد، وإذا خسر المعركة الحالية فإن ذلك سيضعف من حظوظه السياسية والعسكرية.
ويرى مجذوب أن قوات الدعم السريع نشأت في ظروف عداء في دارفور واستخدمها نظام عمر البشير لقمع الحركات المسلحة المتمردة في الإقليم، ولم تعد لديها حاضنة شعبية هناك حتى تعود إليها، وإنما حاضنة قبلية وعشائرية، وفُرص تحولها إلى مجموعة متمردة مؤثرة ضعيفة، لأنها لن تجد القبول من سكان الإقليم.
وأضاف أن أمام حميدتي إما دمج قواته في الجيش والانتقال إلى العمل السياسي، وإما التلاشي سياسيا وعسكريا، مؤكدا أن أي تسوية تجري بوساطة إقليمية أو دولية يحصل بموجبها على مكاسب، ستكون بصفته السياسية وليس العسكرية.
الوضع في دارفور
إثر اندلاع الحرب بالخرطوم في منتصف أبريل/نيسان 2023، استسلمت قوات الدعم السريع في غالبية الولايات بلا قتال، لكنها دخلت في مواجهات دامية في ولاية شمال كردفان وفي جنوب دارفور، وقبلت عبر جهود قبلية واجتماعية بعدم الدخول في حرب بشمال ووسط وشرق دارفور.
وكشف تقرير أعده مسؤولون وقيادات قبلية ومجتمعية عن الوضع في دارفور، اطلعت عليه الجزيرة نت، أن والي شرق دارفور محمد آدم عبد الرحمن وزعيم قبيلة الرزيقات محمود موسى مادبو قادا مبادرة مع الغرفة التجارية وتجمع الشباب، وأقنعوا قيادات الجيش والدعم السريع في مدينة الضعين حاضرة الولاية بعدم الدخول في مواجهات، وتم نشر الشرطة في مرافق الدولة والأسواق، مما أدى إلى استقرار الأوضاع في الولاية.
وفي ولاية وسط دارفور، تحركت قيادات قبلية ومجتمعية مع الوالي سعد آدم بابكر، وتوصلت إلى اتفاق هدنة بين الجيش والدعم السريع لا تزال صامدة، حيث يوجد كل طرف في مقره، مما ساهم في استقرار الأوضاع في الولاية وممارسة المواطنين حياتهم بصورة طبيعية، حسب التقرير.
هدنة بعد دماء
يوضح التقرير أن ولاية شمال دارفور شهدت اشتباكات مع بداية الأحداث في الخرطوم، لكن الوالي نمر عبد الرحمن -يمثل واحدة من الحركات المسلحة- نشط مع رموز اجتماعية، واستطاع إيقاف المواجهات بين الجيش والدعم السريع وتنويع مهام حفظ الأمن بينهما، حيث تولى الجيش حراسة المؤسسات الحكومية والخدمية، في حين اختص الدعم السريع بالمؤسسات الخاصة والمنظمات وشرطة الأسواق وحفظ الأمن، فعادت الحياة إلى طبيعتها في الولاية.
وفي ولاية غرب دارفور، نشبت اشتباكات محدودة، أفلح حاكم الولاية خميس أبكر مع مبادرة شعبية في التوصل إلى التهدئة بين الطرفين، وتمسك كل منهما بمقره، لكن صراعات قبلية تجددت في الجنينة عاصمة الولاية أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة عشرات وفرار آلاف إلى تشاد المجاورة، في حين يعيش بقية المواطنين في محليات الولاية الأخرى حياة طبيعية.
اقتسام السيطرة
أما ولاية جنوب دارفور -أكثر ولايات الإقليم الخمس سكانا وثقلاً اقتصاديا بعد الخرطوم- فشهدت نيالا حاضرة الولاية قتالاً ضاريا بين الجيش والدعم السريع، ولم تنجح جهود الوساطة في معالجة الأزمة، بحسب التقرير.
وظل الجيش مسيطرا على قيادة الفرقة 16 مشاة، وانتشرت قوات الشرطة في المناطق الجنوبية، في حين توجد قوات الدعم السريع في الجزء الشمالي من المدينة ومحلية نيالا، فضلا عن مطار نيالا الدولي.
ويحذر التقرير من أن انتشار السلاح وعدم التوصل إلى هدنة بين طرفي النزاع يمكن أن يؤديا إلى مواجهات، أو على الأقل لتكريس الانقسام الحالي بسبب سيطرة الطرفين العسكريين على شمال المدينة وجنوبها، ويدعو القيادات القبلية وأعيان المجتمع إلى طرح مبادرة للتهدئة وتطبيع الحياة حتى تستقر الأوضاع بشكل كامل.
دارفور والدعم السريع
حميدتي له خبرة قتالية في دارفور حيث كان تاجرا للإبل، ثم قاد مجموعة عسكرية كانت تقدم الخدمة الأمنية لقوافل الإبل التي تصدر إلى مصر وليبيا، قبل أن تستوعبه السلطة في قوات حرس الحدود في العام 2006، لكنه اختلف مع قائدها وانشق عن الحكومة، ثم وظفته في خدمتها.
وإثر تصاعد التمرد في دارفور وتمدده في إقليم كردفان المجاور وتهديد الخرطوم في العام 2013، استعان الرئيس السابق عمر البشير بحميدتي، وتم تأسيس قوات الدعم السريع بنحو 3 آلاف مقاتل، وساهم في كسر شوكة التمرد، ثم شارك في إطاحة البشير عن الحكم في 2019 مع المجموعة العسكرية التي انحازت للثورة.
وخلال السنوات الأربع الماضية، ارتفع عدد قوات الدعم السريع من نحو 17 ألفا إلى أكثر من 100 ألف مقاتل، منتشرين في كافة ولايات البلاد، ولديها 11 قاعدة حول ولاية الخرطوم وحوالي 10 آلاف مركبة إضافة إلى مدرعات، لكنها لا تملك دبابات أو طائرات، وهي عناصر القوة التي تفوق بها الجيش عليها في المعارك الجارية حاليا في العاصمة.
وشهد إقليم دارفور تمردا مسلحا منذ العام 2003 قادته حركات مسلحة تنتمي قياداتها إلى القبائل غير العربية، انتهى بتسويات في عهد الرئيس السابق عمر البشير، حيث صار رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي كبير مساعدي البشير قبل أن يحمل السلاح مجددا، وحاول الرئيس السابق استرضاء الإقليم بتعيين 3 نواب له من هناك خلال فترات مختلفة، لتحقيق توازن ومكافأة المجموعات العربية التي وقفت إلى جانب الحكومة في وجه التمرد.
وعقب ثورة 2019 وقعت الحكومة الانتقالية اتفاقا مع حركات دارفور في جوبا عاصمة جنوب السودان، وصار اثنان من قادة الحركات عضوين في مجلس السيادة هما الهادي إدريس والطاهر حجر، ومناوي حاكما للإقليم، وجبريل إبراهيم وزيرا للمالية.