بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يتناول التقدير الاجتماع التشاوري الخماسي الذي انعقد في العاصمة الأردنية عّمان بتاريخ الأول من مايو 2023، وبمشاركة وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق وسوريا، والذي يعد بمثابة النواة العربية لرسم خارطة طريق لعودة سوريا إلى عمقها العربي.
أدناه النص كما ورد في موقع المركز:
انتهى الاجتماع التشاوري الخماسي الذي بادرت لعقده المملكة الأردنية الهاشمية في عمان بتاريخ الأول من مايو 2023، وبمشاركة وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق وسوريا، وهو الاجتماع الذي جاء “استكمالاً للاجتماع التشاوري الذي استضافته المملكة العربية السعودية في جدة يوم 14 أبريل 2023، وذلك للبناء على الانفتاح الذي تقوم به عدد من الدول العربية مع دمشق، ويأتي في سياق طروحات المبادرة الأردنية للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية” كما جاء في بيان وزارة الخارجية الأردنية.
يُعد الاجتماع التشاوري الخماسي بمثابة النواة العربية لرسم خارطة طريق لعودة سوريا إلى عمقها العربي، والتي جاءت بعد سلسلة من الخطوات العربية المنفردة والمتدرجة للتقارب مع الحكومة السورية؛ كان آخرها زيارة وزير الخارجية السوري للسعودية ومصر، وزيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا في أبريل 2023. كما يأتي الاجتماع الخماسي قبيل أسابيع قليلة من الموعد المقرر لعقد القمة العربية في السعودية في التاسع عشر من مايو 2023. ما يجعل منه مُناسبة تحمل الكثير من الإشارات والمضامين، حول مستقبل العلاقات العربية السورية، وما يرتبط بها من سياسات واتجاهات، خاصة في ظل تعقيد أطر الحل النهائي وتشابك العلاقات السورية غير العربية وتحديداً مع إيران.
قراءة في مضامين البيان الختامي
على غير المألوف في الاجتماعات المشابهة، جاء البيان الختامي للاجتماع مفصّلاً ودقيقاً، وبما هو أقرب لخارطة طريق واضحة تُحدد الالتزامات المشتركة لأطراف الاجتماع، والأطر التي تسعى من خلالها الدول العربية لإعادة دمشق إلى العمق العربي. ذلك من خلال تأكيد البيان على الدور العربي في حل الأزمة السورية، خاصة في ظل طرح الأردن لمُبادرة عربية تعتمد على الحل السياسي في سوريا، وبالتوافق مع المرجعيات الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وفيما يبدو أن أطراف الاجتماع قد تسعى في قادم الأيام إلى تدويل مواقفها المتقاربة مع دمشق.
بالإضافة إلى الإشارة على التعاون مع حكومة دمشق في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، ويعني ذلك بلورة سياسة عربية تُسهم في دعم دمشق لبسط سيادتها على الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، ويُزاحم دور القوى الأخرى غير العربية في سوريا، والتي قدمت نفسها على مدار السنوات السابقة بأن وجودها لدعم حكومة سوريا في عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة.
وفي مُقابل تأكيد الدور العربي في النقطتين السابقتين، يترتب على دمشق التزامات عدة منها أن تتخذ خطوات جادة لمكافحة تصنيع المخدرات داخل أراضيها ووقف تهريبها عبر حدودها مع دول الجوار وخاصة الأردن والعراق، وفي سبيل ذلك؛ سيتم تشكيل فريقي عمل سياسيين وأمنيين مشتركين يضم أفراداً من سوريا والعراق والأردن، من أجل تحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء هذه العمليات.
وكذلك على الحكومة السورية أن تظهر جدية خطواتها للتماشي مع المطالب العربية وإبداء حُسن النية، وهو ما يُمكن ملاحظته في الأنباء المُتداولة من داخل سوريا بشأن العفو العام، وفي قرار الحكومة السورية بفتح معبر باب السلامة أمام المساعدات الإنسانية والطبية عقب الزلزال المدمر في فبراير 2023، بالإضافة إلى قياس مستوى التعاون السوري مع الفرق الفنية سيتم تشكيلها كأحد مخرجات الاجتماع التشاوري من أجل متابعة مخرجات الاجتماع وتحديد الخطوات القادمة.
استنتاجات هامة في خارطة الطريق العربية السورية
من خلال ما تقدم يُمكن استنتاج جُملة من السياسات العربية السورية التي سيتم تنفيذها كالآتي:
1- تسعى الدول العربية عبر تأكيدها على المرجعيات الدولية، إلى عدم تعارض خطواتها مع توجهات الولايات المتحدة، حيث أن النتائج النهائية وفقاً للمبادرة العربية والاجتماعات العربية السورية ستفضي إلى النتيجة ذاتها التي يسعى لها المجتمع الدولي، بإيجاد حل سياسي يُنهي الأزمة في سوريا. كما لم يتطرق البيان الختامي للقمة على أي ذكر للشراكات الاقتصادية أو عمليات إعادة الإعمار لعدم تصادم الخطوات العربية مع قانون قيصر الأمريكي.
2- تشكيل لجنة أردنية سورية عراقية من أجل مكافحة تصنيع وتهريب المخدرات، وتحديد مهامها وأهدافها؛ يتماشى بشكل أو بآخر مع ما جاء في القانون الأمريكي لمكافحة الكبتاجون في سوريا، وإن نجاح هذه اللجنة في اتخاذ خطوات جدية لوقف إنتاج وتهريب المخدرات قد يفتح الطريق أمام تعاون أمريكي معها عبر الدور الأردني الذي يجمعه علاقات قوية مع الأطراف كافة.
3- تسعى مخرجات الاجتماع النهائي، لتهيئة الأرض في سوريا على المستوى الأمني والسياسي من أجل تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين، وذلك من خلال بسط الحكومة السورية سيادتها على أراضيها، وترشيد السياسات وفرض تطبيق القانون.
4- أن الدور العربي الجديد تجاه سوريا في مجالات مكافحة التهريب وفي دعم الحل السياسي، يُراد منه إفقاد الأطراف الأخرى غير العربية في سوريا وزنها السياسي والأمني وبالتالي مزاحمة دورها واستبداله بالدور العربي.
5- ركز البيان الختامي على الحلول الجزئية بدلاً من التركيز على الحلول الكُلية، وربما ذلك لإدراك الدول العربية صعوبة التوصل إلى حل سياسي حالياً، وهي الصعوبة التي يُمكن تجاوزها عبر حل القضايا الجزئية المرتبطة بالتسوية ومنها مكافحة الإرهاب وإعادة السيادة السورية على الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وكذلك تهيئة البلاد لعودة اللاجئين.
6- تُشير لجان العمل ومتابعة تنفيذ المخرجات، أن هذا الاجتماع التشاوري سيعقبه اجتماعات قادمة مماثلة، ويبدو أنها تعمل بشكل منفصل عن مسألة عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، والذي يُلاقيه معارضة من بعض الدول العربية.
تحديات إقليمية ودولية موازية
في مقابل الجهود العربية لإعادة سوريا إلى عمقها العربي، والسياسات العربية الهادفة إلى حل الأزمة المستمرة منذ العام 2011، عبر خطوات تدريجية وأهداف جزئية، نجد أن هناك سياسات أخرى غير عربية قد تحد أو تعرقل من الجهود التي تقودها مجموعة من الدول العربية ومن تلك التحديات:
أولاً: هُناك جهود إيرانية موازية، ويُمكن قراءتها باعتبارها محاولة استباقية للحيلولة دون تأثر علاقاتها مع سوريا في أي جهد عربي مضاد لها، من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية هناك، وفي هذا السياق يمكن التوقف عند حدثين مهمين، يتمثل أولاهما في الاجتماعات المتعددة للجنة الاقتصادية السورية الإيرانية المشتركة في دمشق يوم 26 أبريل 2023، وتم فيها الاتفاق على تطوير التعاون بينهما في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط والسياحة والنقل والثقافة والتأمين والمصارف والجمارك، بما في ذلك مساعدة الأسطول السوري، وتقديم القوى البشرية وتدشين ميناء الحميدية، في مقابل تجديد إيران لطلبها الحصول على 5000 هكتار من الأراضي الزراعية السورية، لإجراء تجارب زراعية. أما الحدث الثاني يتمثل في الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا في 3 مايو 2023 على رأس “وفد سياسي واقتصادي كبير” كما أشارت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، وهي زيارة “بالغة الأهمية نظراً للتغيرات والتطورات التي تحدث في المنطقة” كما أشارت الوكالة، وهذه الزيارة تعتبر الأولى من نوعها لرئيس إيراني يزور دمشق منذ عام 2011، وسبقها زيارة للرئيس السوري بشار الأسد لطهران في مايو 2022، ويتوقع خروج زيارة الرئيس الإيراني بتوقيع اتفاقيات مشتركة في مجال الطاقة والكهرباء، وتحديداً حول الخط الائتماني الإيراني الجديد الذي يتم استثماره في قطاع الكهرباء.
ثانياً: تعتبر المصالح السياسية الروسية عامل ذو تأثير في الشأن السوري، والذي يأتي في مبادئه العامة متوافق مع الجهد العربي من حيث الحفاظ على وحدة سوريا، وبسط الحكومة السورية سيادتها على كافة الأراضي، كما أن روسيا دعمت منذ سنوات مضت التقارب العربي مع دمشق، إلا أن الانشغال الروسي في الأزمة الأوكرانية والذي انعكس على سوريا في حساباتها الاستراتيجية، قد أفقد التقارب العربي بعد دولي هام يدعم توجهاته.
ثالثاً: تعنت الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من موقفها تجاه الحل في سوريا، والإصرار على المضي في الحل النهائي قبل إقرار أي تفاهمات سياسية أو إزالة للعقوبات الاقتصادية عن سوريا، وفي الأثناء التي نشطت بها الدبلوماسية العربية تجاه دمشق، بعد الزلزال المدمر في فبراير 2023، استمرت الدول الغربية في تشديد العقوبات على سوريا، والتي كان آخرها حزمة جديد من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على 25 شخصية، وثمانية كيانات بتهم تتعلق بتهريب المخدرات وبحقوق الإنسان.
رابعاً: أن هناك بوادر لتشكيل “إطار رباعي” يضم كل من سوريا وإيران وتركيا وروسيا، وهو الآخر سيتبعه مجموعة من الالتزامات والمتطلبات، التي قد تتناقض أو تتعارض مع ما مخرجات الاجتماع التشاوري الخماسي، حيث أنه لدى كل دولة في الإطار الرباعي متطلباتها واستراتيجياتها وأجندتها الخاصة، وفي وقت تُقدم فيه الدول العربية المعنية حلولاً لكامل الجغرافية السورية من شمالها إلى جنوبها، وتشمل كذلك اللاجئين في الآخر وملفات ذات صلة بأطر الحل النهائية.
مع ذلك؛ ما يُميز الخطوات العربية الراهنة أنها غير إحلالية، ما يعني أنها تعتمد على سياسات تدريجية مبنية على خطوات واقعية وبأهداف جزئية قابلة للتحقيق، ولا تهدف إلى إثارة حفيظة الدول والأطراف المعنية سواء الإيرانية أو الروسية أو الغربية، والتي يُمكن تقديمها كبديل عن الاعتماد على المطالب الغربية بالتوصل إلى حل نهائي للازمة والإقدام على خطوات للتقارب والانفتاح والتي أظهرت على مدار عقد من الأزمة صعوبة تطبيقها، وما تطلبه من أدوات عدة قد تتجاوز البعد الدبلوماسي في جوانب منها.
وأخيراً؛ يُمكن النظر إلى اجتماع عمّان التشاوري بأنه نواة لتشكيل “إطار خماسي”، يسعى إلى تشكيل مجموعة عمل عربية، لتطبيق استراتيجية متدرجة للحل في سوريا ولإعادة تأهيل البلاد وعودتها إلى جامعة الدول العربية أولاً، ثُم المجتمع الدولي ثانياً، وفق عدد من الالتزامات والمتطلبات أو “خطوة مُقابل خطوة”، ولذلك فمن المرجح أن تشهد الأيام القادمة سلسلة من الاجتماعات المماثلة، وهذا ما أكد عليه مسؤول سعودي في تصريح لـ “فايننشال تايمز” بقوله: “فتح قناة النقاش مع سوريا لا يعني بأن الأمور تمت تسويتها، ولكن بدون هذه القناة لا يمكننا التفاوض بشأن ما نريد”.
وعلى الأقل يمكن القول إن التحركات العربية الأخيرة ساهمت في كسر العزلة عن سوريا وبات النقاش حول المطلوب من دمشق تنفيذه مقابل العودة إلى الساحة العربية والمجتمع الدولي؛ بدلاً من رفض الفكرة بأكملها وربطها بعدم إمكانية تأهيل النظام السوري. وفي نفس الوقت لا يمكن التغاضي عن مواقف بعض الدول العربية مثل الكويت وقطر التي تعارض المصالحة مع سوريا، حيث أنها ستشكل ثقلاً قد يعيق جهود المجموعة الخماسية.