بقلم: أليسون شراجر
الشرق اليوم– إذا لم تعد الولايات المتحدة الزعيمة الاقتصادية للعالم، فلا يمكنها أن تلوم إلا نفسها. خلال الأسابيع القليلة الماضية، حذّرت مؤسسات دولية واقتصاديون بارزون من أن الاقتصاد العالمي، وخاصة الأمريكي، يواجه احتمال انخفاض النمو – ليس ركوداً فقط وإنما نمواً منخفضاً لمدة عقد أو أكثر. بعضه سيكون بسبب شيخوخة السكان، ولكن أحد الأسباب أيضاً هو أننا نختار سياسات تعرقل اقتصادنا. وقد تعتقد أن هذا سيكون مدعاة للقلق ودق لناقوس الخطر، وأن النمو سيصبح أولوية، ولكن بدلاً من ذلك يقابَل الأمر بلامبالاة جماعية – بل بإمعان في سياسات النمو المنخفض. والواقع أن شرح أهمية النمو الاقتصادي كان أمراً مبتذلاً وغير ضروري، على غرار شرح فوائد العيش لمدة أطول أو شرح لماذا من الجيد أن يعامل المرء الناس بلطف.
ولكن اليوم بات النمو الاقتصادي في حاجة إلى من يترافع ويدافع عنه. إن النمو، حتى وإنْ لم يكن متقاسماً على نحو عادل، هو ما يمكّننا من عيش حياة أفضل وأطول وأكثر راحة مما كنا نفعل قبل 60 أو 40 أو حتى 25 عاماً. كما أن ارتفاع النمو يجعل الناس أكثر سعادة أيضاً.
وبالمقابل، فإن الركود، وليس انعدام المساواة، هو الذي يولّد الاستياء والشعبوية. كما أن النمو هو أفضل حل لتغير المناخ لأن النمو المدفوع بالإنتاجية هو كيف نستخدم موارد أقل من أجل الحصول على إنتاج أكثر. وقد يقول قائل إننا أغنياء بما فيه الكفاية، فلماذا نحتاج إلى المزيد؟ وربما طرح شخص ما هذا السؤال عام 1800، وهو يفكر في كيف أن أشياء أحسن بكثير باتت متاحة مقارنة مع عام 1700.
ولكن ماذا لو كانت لدى شخص في عام 1800 القوة لإيقاف النمو؟ في تلك الحالة كانت كل الأجيال المقبلة ستُحرم مما كان سيبدو في 1800 أسباب راحة لا يمكن تخيلها. ومع ذلك، هناك حركة تشيطن النمو. ذلك أن المتشككين يتصورون النمو باعتباره يتناقض مع حماية المناخ، أو هم من مناهضي الرأسمالية وحسب. واللافت أيضاً أن حتى صنّاع السياسات المعتدلين في كلا الحزبين باتوا يؤْثرون السلامة على النمو بشكل متزايد. والحال أن النمو الاقتصادي مثل نمو أسعار الأصول في الأسواق المالية، كونه مقروناً بمقايضة بين الخطر/ العائد.
وفي هذا السياق، يرى المؤرخ الاقتصادي ديدري ماكلوسكي أن الثقافة التي تشجع على المخاطرة القائمة على الابتكار، حتى بين غير الأغنياء، هي السبب الذي جعل المملكة المتحدة أولَ بلد يتصنع ويصبح القوة الاقتصادية التي أضحى عليها. وتقليدياً، اختارت الولايات المتحدة مزيداً من النمو على السلامة مقارنةً مع أوروبا. فهي لديها نظام رعاية اجتماعية أضعف للطبقة المتوسطة، واقتصاد مفتوح نسبياً، وعدد أقل من قوانين حماية العمال، وبيروقراطية أقل، وقوانين حماية من الإفلاس أكثر تسامحاً.
ومن أجل ذلك كوفئت الولايات المتحدة، إذ أضحت أغنى ولديها اقتصاد هو الأكثر ابتكاراً. وبينما تزداد البلدان غنى، يمكن الدفع بحجج مؤدّاها أن تلك البلدان تستطيع الآن تحمل كلفة قدر أقل من المخاطرة، ومما لا شك فيه أن هناك فوائد في مزيد من الاستقرار.
غير أن صناع السياسات اليوم أخذوا يميلون أكثر مما ينبغي إلى السلامة، مغفلين الأشياء التي نتخلى عنها. إن النمو يزداد حين تضيف إلى الاقتصاد مزيداً من الأشخاص أو الرأسمال أو الإنتاجية. وعلى سبيل المثال، فإن تقلص سكان الولايات المتحدة وشيخوختهم يعني عدداً أقل من العمال وكمية أقل من الإنتاج. وقد نستطيع تعويض ذلك جزئياً من خلال زيادة الإنتاجية.
ولكن عوضاً عن ذلك، تتسبب السياساتُ الأمريكية الأخيرة في التضحية بالإنتاجية في محاولة خاطئة لتقليص الأخطار. فصحيح أن ابتكار اختراعٍ جديد وأخذه إلى السوق عمل ينطوي على خطر دائماً. والتكنولوجيا الجديدة تخلق كثيراً من عدم اليقين، مما يعني ذهاب بعض رأس المال إلى الأماكن الخطأ مثل العملات المشفرة أو شركات تزاول عملياتها على الإنترنت مثل Pets.com بدلاً من ذهابه إلى “غوغل” أو “أمازون”. وفي الأثناء، يفقد الناس وظائف ومالاً. وخلاصة القول: إن مستقبلاً يتميز بانخفاض النمو لا يحرم الأجيال المقبلة من الرخاء فقط، وإنما يعني أيضاً أنه سيتعين علينا دفع مال أكثر مقابل الأشياء التي نستهلكها.
والحال أن نمواً أقل يعني عائدات ضرائب أقل، مع ذهاب حصة أكبر إلى تسديد الدين بدلاً من الذهاب إلى مزايا وخدمات. ولهذا، فإننا نواجه خطر حلقة مفرغة من ارتفاع الضرائب، وانخفاض الاستثمارات، وحتى انخفاض النمو. وعليه، فبدلاً من محاولة تحقيق المستحيل – نمو من دون خطر – ينبغي على الحكومة و”الاحتياطي الفيدرالي” الاعتراف بأن الخطر هو ثمن النمو، فالاقتصاد القائم على المخاطرة هو ما جعل أمريكا قوة اقتصادية. والأكيد أن مستقبلاً ذا نمو منخفض ليس قدراً أو أمراً حتمياً. وبوسعنا تغيير المسار وترك الأسواق تعمل.