بقلم: د. عبدالحق عزوزي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- تنشغل دول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات بالبحث عن وسائل متطورة لإدارة الهجرة وضبط تدفقات طالبي اللجوء وللحد من مجيء المهاجرين في وقت يسجل البحر الأبيض المتوسط أرقاماً متزايدةً في عدد ضحايا الهجرة. فخلال الأيام القليلة الماضية، تم انتشال 32 جثة لمهاجرين انقلب قاربهم قبالة تونس قبل أن يتسنى لهم الوصول إلى الضفة الأوروبية. كما وصل عدد المهاجرين إلى الشواطئ الإيطالية، خاصة من تونس، إلى مستويات قياسية جديدة على الرغم من الوفيات المستمرة، فأكثر من 26 ألفاً وصلوا منذ بداية عام 2023، من بينهم أكثر من 1700 تونسي. ومما زاد الطين بلةً أن إيطاليا تبنّت قانوناً جديداً، في مطلع شهر فبراير الماضي، يقيد عملَ سفن الإنقاذ الإنسانية لمساعدة قوارب المهاجرين المتهالكة في المتوسط. وعبّرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قبل أيام من الآن، عن “حزنها العميق” لسقوط ضحايا في المتوسط، لكن بدون أن تشير إلى التقليل من صرامة ذلك القانون.
كما نجد أن دول الاتحاد الأوروبي تنفق أكثر من 1.5 مليار يورو سنوياً على الأبحاث وتطوير تكنولوجيات أمنية، خاصة لفائدة مشاريع إدارة الحدود، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها King’s College. وقد بدأت دول الاتحاد تستعمل طائراتٍ مسيّرةً وأجهزةَ مراقبة تحت-مائية ورادارات ثلاثية الأبعاد وآلات استشعار متطورة لرفع مستوى الأمن على حدودها الخارجية، إلى درجة أن بعض الخبراء في الشؤون الأوروبية يقولون بأن التكنولوجيا تجعل المناطق الحدودية أكثر خطورة على الأشخاص.. إنها تفاقم العنف وتمنح حرسَ الحدود سلطةً كبيرةً.
كما أن عدداً من الدول الأوروبية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لمراقبة أكبر مدنها لمتابعة المهاجرين غير الشرعيين وللقبض عليهم، كاليونان التي اعتمدت قبل بضع سنوات آلات تشبه الهواتف الخلوية، زودت بها ضباط الشرطة، من أجل مساعدتها في التعرف على الوجوه وتحليل بيانات البصمات.
وتستعمل دول أوروبية أخرى تقنياتٍ داخليةً جد متطورة لتحديد مستقبل المهاجرين؛ فبريطانيا تعتمد على خوارزميات تقوم تلقائياً بتصنيف طلبات التأشيرات وفقاً لمعايير معدة مسبقاً. ويعتبر بعض الحقوقيين هذا الإجراء “عنصرياً”، إذ أن ملفات أشخاص من أفريقيا والشرق الأوسط غالباً ما تتعرض للرفض.
وفي ألمانيا، تستعمل السلطاتُ أنظمةً تقنيةً يمكنها التعرف على اللهجات المحلية للبلدان التي يأتي منها المهاجرون، ولكن غالبا ما تتسم النتائج التي تخلص إليها تلك الأنظمة بالتناقض والتمييز، فضلا عن أنها تمنح المجال أمام “الآلات” للشك في مصداقية وتفاصيل قصص يسردها بشر لها!
وفي النهاية، يعيش المهاجرون بين “عسكرة” المراقبة الداخلية والخارجية لمنع وصولهم إلى أوروبا أو لطردهم من هناك، موازاة مع التطور السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي في خدمة هذه “العسكرة”. ويتم استثمار أموال طائلة في خدمة هذه السياسة بدل البحث عن وسائل تساهم في التخفيف من المعاناة الإنسانية لهؤلاء المهاجرين والبحث عن عيش كريم وآمن لهم سواء في بلدانهم الأصلية أم في بلدان المهجر.