الشرق اليوم- كان منتظراً أن يشكّل “الاتفاق الإطاري” الذي تم توقيعه، أواخر العام الماضي، بين المكوّنين، المدني والعسكري، في الخرطوم، منطلقاً لمرحلة انتقالية، واتفاقاً سياسياً يضع حداً للأزمة المستفحلة في السودان، منذ سقوط نظام عمر البشير، عام 2019، خصوصاً أنه حدّد خارطة طريق، وبرنامجاً زمنياً لتنفيذه، من خلال تسليم السلطة للمدنيين، وتشكيل حكومة، ووضع دستور جديد، وتفكيك بقايا “نظام الإخوان” القديم، وكان من بين البنود النأي بالجيش عن السياسة، ودمج القوات المسلحة (الجيش وقوات الدعم السريع).
في المبدأ، تم النظر إلى الاتفاق بأنه يشكّل رافعة لإخراج السودان من الأزمة، لكن كانت هناك شكوك في إمكانية تطبيقه، خصوصاً البنود المتعلقة بتوحيد القوات المسلحة، إذ كانت نوازع السلطة العسكرية تتغلب على التوجهات المدنية، الأمر الذي يرجّح دائماً كفة العسكر في أي خلاف داخلي، وهو ما تكرّس من خلال الانقلابات العسكرية المتتالية، عندما كان الجيش يرى أنه المؤهل أكثر من الأحزاب السياسية لقيادة البلاد
في الوضع الحالي، وبما أن المكوّن العسكري يتشكل من فرعين عسكريين منفصلين، هما الجيش بقيادة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، و”قوات التدخل السريع” بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، (حميدتي)، فإن مسألة توحيد القوات المسلّحة باتت تخضع لموازين القوة بين المكوّنين، وقدرة أي طرف على حسم الوضع لمصلحته، لذلك دخلت عملية الدمج منحى الصراع، ما شكّل العقبة الكبرى أمام تنفيذ “الاتفاق الإطاري”.
ووفقاً للجدول الزمني للاتفاق، كان من المفترض الإعلان عن تشكيل الحكومة المدنية ورئيسها يوم 11 إبريل/ نيسان الجاري، لكن الموعد انقضى بعدما تفجّر الخلاف بين البرهان وحميدتي، حول الدمج، ونزلت قوات الطرفين إلى شوارع العاصمة الخرطوم، في مشهد ينذر بمواجهات دموية بين الجانبين، قد تؤدي إلى كوارث حقيقية.
ووفقاً للمعلومات المتداولة، فإن أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين هي مطالبة الجيش بمدى زمني محدّد لا يتجاوز الفترة الانتقالية لعملية الدمج، في حين تطالب “قوات التدخل السريع” بفترة انتقالية تصل إلى عشر سنوات.
الوضع لا يبشر بالخير، فكلّ طرف يقف متأهباً على سلاحه، ف”قوات التدخل السريع” تعزز مواقعها، وتنقل مدرعات من ولاية شمال دارفور إلى العاصمة، فيما الجيش هو الآخر يقف متأهباً في مختلف شوارع العاصمة.
يذكر أن هذا الصراع بين العسكر تمتد جذوره إلى أيام نظام عمر البشير، وحرب دارفور، عندما عمد البشير إلى إنشاء “قوات الدعم السريع”، وفق مرسوم أصدره عام 2013 بعدما أثبت عناصر هذه القوات (الجنجويد)، قدراتها في حرب دارفور بين العامين 2003 و2005، وأبلت فيها بلاء حسناً، وتم وضعها تحت مسؤولية البشير مباشرة، وأعطى لحميدتي لقب “حمايتي”، بمعنى “الذي يحميني”، كما منحه رتبة عميد، تقديراً لخدماته، ما أثار غضب الضباط الكبار الذين تخرجوا في المدارس الحربية، وتدرجوا في سلّم الرتب بشكل نظامي.
يقف السودان أمام منعطف حاسم، عسى ألا ينتهى الخلاف إلى صراع.
المصدر: صحيفة الخليج