الشرق اليوم- عندما يقول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه يجب على الأوروبيين “ألا يكونوا أتباعاً” للولايات المتحدة، في معرض إشارته إلى الصراع الأمريكي الصيني، حول تايوان، فهو يقصد أن الأزمة التايوانية ليست أوروبية، حتى تكون جزءاً منها.
وإذا كان هذا الأمر يمثل الحقيقة كيلا يتم تدفيع أوروبا ثمناً ليس في مصلحتها، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى جرّ أوروبا، من خلال حلف الأطلسي، لمشاركتها حربين ليستا حربها، في أفغانستان والعراق، ودفعت بعض دولها ثمناً باهظاً، من قتلى وجرحى، وعمدت إلى جرّ أوروبا رغماً عنها إلى الحرب الأوكرانية، ويتم تدفيع الشعوب الأوروبية ثمناً كان بالإمكان تجنّبه، لو كانت القيادات الأوروبية أدركت أن مصلحة أوروبا في ألّا تكون “تابعاً” للولايات المتحدة.
لولا ذلك لما كانت معظم الدول الأوروبية تواجه الآن موجات متواصلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تعكس الآثار السلبية لانخراطها في حرب ليست حربها، وقد تكون المؤشر على أزمات اقتصادية كبرى قادمة، جرّاء تداعيات تمويل الحرب التي تكلف الدول الأوروبية مليارات الدولارات، على حساب الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، التي تم تغييبها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وتصاعد مستوى التضخم.
موقع “يورو نيوز” رصد نتائج هذه الحرب على الدول الأوروبية، وحجم الخسائر الاقتصادية في كل دولة، خصوصاً في فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك وبريطانيا والنمسا والسويد والبرتغال وبولندا، وأدى ذلك إلى موجة من الإضرابات، شملت قطاعات التعليم والنقل والصناعة والصحة، إضافة إلى التظاهرات المتواصلة في فرنسا ضد تعديل قانون التقاعد، والتي تتخللها صدامات دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن.
كما شهدت ألمانيا إضرابات وصفت بأنها الأضخم منذ عقود بمشاركة نحو ثلاثين ألفاً من قطاع النقل أدت إلى شلل في العديد من المطارات ومحطات سكك الحديد، في حين شملت إضرابات بريطانيا قطاعات البريد والنقل والتعليم والتمريض والأطباء وسكك الحديد، وهي إضرابات غير مسبوقة في تاريخ بريطانيا التي تعاني ركوداً، وارتفاعاً حاداً في نسبة التضخم بلغ أكثر من عشرة في المئة.
وفي اليونان، اندلعت تظاهرات ضخمة في مارس/ آذار الماضي، في العاصمة أثينا وغيرها من المدن، للمطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور، ورفضها للأوضاع الاقتصادية القائمة، واحتجاجاً على كارثة تصادم قطارين، وتوقف حركة القطارات وخدمات النقل في ذلك الحين.
كل الخطط الحكومية فشلت حتى الآن في لجم الأزمات الاقتصادية الأوروبية المستفحلة لأن “الرتق اتسع على الراتق”، ولم يعد بالإمكان تجسير الفجوة بين المطالب الشعبية والقدرات المالية التي استنزفتها الحرب الأوكرانية المفروضة عليها.
لم تكن أوروبا مضطرة للتورط في الحرب الأوكرانية التي تم التخطيط لها منذ عام 2014، بهدف استنزاف روسيا وبالتالي هزيمتها، للتخلص من شبح يهدد النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة.