بقلم: علي محمد فخرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أهلاً بسوريا الانصهار الكلي في متطلبات هوية العروبة، سوريا الحمل النضالي لكل التزام قومي تجاه كل خطر يتهدد أي قطر عربي. هذا ما تبشر به اللقاءات والاتصالات والتصريحات، سواء من قبل سوريا من جهة أو من قبل العديد من الأقطار العربية الحاملة لهم الموضوع السوري والمنادية بحل عُقده.
لكن ما إن بدا واضحاً أن محاولات حل الموضوع، لن تكون في هذه المرة عابرة أو إجرائية، وأنها ستمهد الطريق لمزيد من تنقية الأجواء العربية الملبدة بالغيوم والعواصف، حتى انبرت العديد من الدوائر الأمريكية، المتخصصة في إبقاء الوطن العربي في حالات دائمة من الاضطرابات والصراعات والضعف أمام كل عدو للأمة، لتضع الشروط والخطوط الحمر، وإثارة الشكوك الكاذبة والأسئلة العبثية.
من هنا أهمية إبراز ما نعتقد أنها نقاط مفصلية بالنسبة لهذا الموضوع.
أولاً، إن عودة سوريا لمكانها الطبيعي في الجامعة العربية، وهي التي كانت في مقدمة مؤسسيها وداعميها طوال تاريخها، يجب أن يكون قراراً عربياً مستقلاً عن أية إشارات من أية نوع كانت تدل على منّة وتفضل من هذه الدولة غير العربية أو تلك، وعلى الأخص ما تحاول أن تدعيه بعض الدوائر الأمريكية.
ثانياً: ولتأكيد استقلالية وقومية هذا القرار تحتاج الجامعة العربية إلى أن تصدر، مع الترحيب بعودة سوريا، قراراً عربياً جماعياً بكسر الحصار الاقتصادي والمالي الجائر المفروض على الشعب العربي السوري، والذي أوصل هذا القطر إلى حدود الفقر والمجاعة وهروب الملايين من مواطنيه إلى منافي الهجرة والشتات. وبدون اتخاذ مثل هذا القرار سيكون من العبث التحدث عن إعادة بناء ما دمرته الصراعات والتدخلات الإمبريالية، وما أحدثه الحصار الجائر الذي أرغمت أمريكا العالم على تبنيه والسير في ركاب جنونها ومجونها السياسي، وعن تعويض ما سرقته أمريكا من بترول وغاز الشمال السوري طوال العقد الماضي.
ثالثاً: ولما كانت القيادة الحالية في المملكة العربية السعودية الشقيقة تحاول جاهدة كسر أو على الأقل إضعاف شتى الهيمنات الأمريكية الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية على الوطن العربي، فإن الإنسان يأمل أن تبادر بطرح موضوع إصلاح الجامعة العربية من جديد، لتكون مماثلة على الأقل للاتحاد الأوروبي من حيث الاندماج الاقتصادي العربي الشامل والسياسات العربية المتناسقة المتعاضدة والتعاون العلمي والتكنولوجي المشترك، ومن حيث التنسيق القوي مع التجمعات العربية الجزئية من مثل مجلس التعاون الخليجي.
اجتماع القمة هذه المرة في عاصمة عربية تموج باتخاذ قرارات جريئة وطنية مستقلة هو فرصة لتبني صفات تلك التجربة، من حيث الاستقلالية والالتزام بمحددات اقتصادية وسياسية جديدة، لتصبح تجربة قومية تسهم في حل إشكالات عربية مستعصية، كما هي الحال مثلاً في لبنان وليبيا واليمن وبالطبع في فلسطين المحتلة.
رابعاً: وسيكون المشهد ناقصاً وقابلاً للانتكاس لو أن قوى المجتمعات المدنية الفاعلة وقفت تتفرج على ذلك المشهد، من دون أن تبدأ بتنظيم نفسها في نفس الاتجاه التنسيقي التضامني في ساحات النضال، من أجل جعل الشعارات الوحدوية العروبية الكبرى شعارات تتحسسها الجامعة العربية في حللها الجديدة.
في كل ما نقوله ستستطيع سوريا العروبة والالتزامات القومية، العائدة إلى مكانها الطبيعي، المتعافية من كل ما أصابها من جراحات ومآسٍ، أن تلعب دوراً محورياً في تحقق الكثير منه. ومن هنا أهمية أن تتنادى قوى المجتمعات العربية المدنية، لتبعث إلى مؤتمر القمة القادم رسالة مطالبة جماهيرية واسعة لعودة سوريا إلى مكانها العربي والإقليمي والدولي الذي كانت تحتله، ولعودة شعبها إلى وطنه ولتحرير رقبتها من القبضة الأمريكية .
نتطلع إلى مؤتمر قمة قرارات تجديدية وأفعال شجاعة تحرر الحاضر العربي الكسيح لتنقله إلى مستقبل أفضل.