بقلم: راغب جابر – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ما كان ينقص لبنان واللبنانيين إلا حرب الساعة. كأن كل شيء “كان ماشي مثل الساعة”، كما يقول مثلهم الشعبي، حتى أتت قنبلة التوقيت الصيفي لتفجر “حرباً” موقوتة على ساعات تنتظر من يشغل “الزنبرك”.
حرب الساعة التي انفجرت قبل أيام أكدت المؤكد، إلا إذا كان هناك من يعتقد أن البلد “ماشي” وأن كل شيء تحت السيطرة. المعادلة واضحة: البلد انتهى ومن كانوا سبباً في انهياره لا يمكن أن ينقذوه، وعلة الموت تتمدد كالسرطان في الجسد المنهك الذي يعاني سكرات الموت.
ما كان لبنان بحاجة لتلك الحرب. ما كان بحاجة لتأجيل العمل اعتباطيا بالدوام الصيفي ولا لتلك الحملة الطائفية رداً عليه. كان يمكن للمسلمين أن يصوموا كما كل سنة بحسب الدوام الصيفي ولن يزيد نهارهم ساعة أو ينقص، هي ساعة وهمية كانوا سيربحونها نفسياً لا عملياً، وكان يمكن للمسيحيين أن يتفهموا أن الأمر ليس نهاية الدنيا. نعم هذا تبسيط للمشكلة، لكنه يبقى أفصل بكثير من الحرب الخطيرة التي شهدها البلد خلال الأيام الماضية وكشفت بعض ما كان مستوراً من “الحب المتبادل” و”التعايش الواصل إلى الركب” بين أبناء الطوائف المختلفة اختلافاً أعمق من قدرة حفلات التكاذب على تجميله وإخفائه.
فجأة اندلعت حرب الساعة على إثر إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (ورئيس مجلس النواب نبيه بري) تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي حتى نهاية رمضان، والخلفية ترك موعد الإفطار الساعة السادسة بدلاً من السابعة، وهو “حسم نفسي” من ساعات الصيام ليس إلا. واختلطت الردود السياسية على القرار بالردود الطائفية، بالردود العلمية، بالردود الإدارية، والردود استدعت ردوداً، و”فار الدم” وقامت الساعة. التهبت مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة وموجات الراديو، ظهر جيل جديد من الخبراء والمحللين المختصين في أنظمة الاتصالات العالمية والأقمار الاصطناعية والمواقيت الدولية وحركة الطيران العالمية وحركة القطارات وعلم الفلك والساعات البيولوجية وتوفير الطاقة وأنظمة عمل المصانع وحركة الملاحة الجوية وأنظمة الصواريخ العابرة للقارات والفنابل الذرية والوسخة، ولبنان ليس معنياً إلا ببعضها اليسير.
كالعادة تصدر السياسيون المشهد، هي فرصة لا تفوّت، امتطوا المناسبة وعواطف الناس وظهورهم. إنهم لا يضيّعون مثل هذه الفرصة. خلاف تقني، ولنقل بصراحة، خطأ تقني معرفي، إذا افترضنا حسن النية، قسم البلد عمودياً وأفقياً، يا غيرة الدين، و”الرطل بدو رطل ووقية”.
الحمد لله أن كثيرين من اللبنانيين فهموا القصة على حقيقتها وأدركوا ان وراء الأكمة ما وراءها. مواقع التواصل نفسها كانت مسرحاً ساخراً واسعاً لأصحاب النكتة السريعة والرؤية المنفتحة. شبان وصبايا من كل الطوائف سخروا حتى الثمالة من طبقة سياسية عاجزة واستغلالية وسخيفة ومستعدة لنحر الوطن برمّته لحفظ مصالح شخصية ضيقة ومفضوحة. هل دخلنا في مرحلة وعي متأخر، ربما وعلى أمل.
حرب الساعة، وكيفما انتهت، باعتماد التوقيت الشتوي، أو الصيفي (وهو بالمناسبة ليس توقيتاً دولياً، بل توقيت تعتمده خصوصا أوروبا ودول تتعامل معها وتتجاهله معظم الدول الكبرى والدول العربية، وليس مقياساً، لا للتقدم والحضارة ولا للرجعية على الإطلاق)، أكدت المؤكد كما سلف ولم تكشف جديداً:
– أولاً أكدت الارتجالية في اتخاذ القرارات وتجاهل المؤسسات، وانعدام التخطيط، فقرار مثل تعديل بدء الدوام الصيفي كان بحاجة إلى درس وبحث في انعكاساته واحتمالات الردود عليه.
– الخفة في التعاطي مع الشأن العام، وكذلك الخفة في ردود الفعل من دون التبصر بنتائج الحقن الطائفي في كل قضية خلافية.
التخبط الرسمي في الوزارات والإدارات ونقص الكفاءة والمبادرة لدى المعنيين في الحالات الطارئة.
– أكدت حرب الساعة أن لغة التحدي والاستفزاز التي ساهمت في خراب البلد لا تزال تطبع خطاب السياسيين (الطائفيين)، وأن الاستقطاب الطائفي والمذهبي ما زال الأداة المفضلة لدى الطبقة السياسية.
– أكدت حرب الساعة أن الطبقة السياسية لا تبالي فعلاً بمصير البلد ومستقبله، ففيما كان وفد الصندوق النفد الدولي يوجه إنذاراً شديد اللهجة بأن لبنان تقريباً انتهى، كان اللبنانيون يقارعون بعضهم بعضاً على ساعة تافهة لا تقدم ولا تؤخر.
-واذا كان سوء الظن من حسن الفطن فيمكن القول ان كل القصة كانت فيلما مركبا على غرار “أفلام” السياسيين لغايات في نفس أكثر من يعقوب وقد أدت غرضها قبل ان يتم انهاؤها بقرار من جلس الوزراء بالسهولة نفسها التي تم فيها اتخاذ القرار – المشكلة.
– أكدت حرب الساعة أن الإعلام اللبناني، يشبه سياسييه تماماً، فهو إعلام طائفي ومذهبي بكل تلاوينه، رغم كل محاولات التورية والتخفي وراء العلم و النظام العالمي.
– أكدت حرب الساعة أن الحديث عن الفدرالية لم يعد خجولاً بل أصبح حديث الصالونات والشاشات، ولن يتأخر كثيراً تبنيه رسمياً من جهات سياسية فاعلة.
الحرب المقبلة ستأتي تحت عنوان الفدرالية فاستعدوا لعرض سينمائي أو مسرحي جديد.