الشرق اليوم- ربما للمرة الأولى، منذ إنشائها قبل 75 عاماً، تواجه إسرائيل حالة انقسام وتصدع سياسي ومجتمعي وأمني، لم تواجهها من قبل؛ هو بمثابة إعصار يضرب أركانها، حيث بات العديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى جانب قيادات أمنية ووسائل إعلامية مختلفة، يطرحون سؤالاً حول المصير، بعدما بلغ الصراع أشده بين الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها نتنياهو والمعارضة، بسبب إصرار الحكومة على تعديلات قضائية، تضع القضاء برمته في قبضتها، وتجعل منه مجرد هيئة صورية، وهي خطوة تراها المعارضة بأنها تعد تعزيزاً للدكتاتورية، وتلغي ما يُسمى “الديمقراطية الإسرائيلية”، فيما يقول نتنياهو وحلفاؤه: إن التعديلات تعيد التوازن بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
وكان قرار نتنياهو بإقالة وزير الحرب يواف غالانت، بسبب دعوته لتأجيل التعديلات القضائية، سبباً في تظاهرات غير مسبوقة يومي أمس وأمس الأول، شارك فيها مئات آلاف المتظاهرين، عمّت مختلف المدن من الشمال إلى الجنوب، وخصوصاً في تل أبيب والقدس؛ حيث حُوصر منزل نتنياهو، وأغلقت معظم شوارع المدن الرئيسية، وجرت اشتباكات واسعة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل دعا اتحاد العمال (الهستدروت) إلى إضراب عام، وكذلك بلديات عدة، وأُغلقت الموانئ حتى إشعار آخر، وأوقفت المطارات الرحلات الخارجية، ما قد يصيب إسرائيل بالشلل العام. وتوعد قادة أحزاب المعارضة باستمرار التظاهر إلى أن يتم التراجع عن التعديلات القضائية، لأن نتنياهو “تجاوز الخط الأحمر”، حسب زعيم المعارضة يائير لابيد. فيما أعلنت الأحزاب المنضوية في الحكومة، أنها ستدعو إلى تظاهرات، دعماً لاستمرار التعديلات، وفي هذه الحال هناك مخاوف حقيقية من حصول صدامات بين الجانبين.
وفي تعبير عن المخاطر التي تواجهها إسرائيل وجه الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ نداء إلى نتنياهو، يدعوه إلى وقف التعديلات القضائية “من أجل وحدة شعب إسرائيل، بعد المشاهد القاسية والمؤلمة” الليلة الماضية.
وكان مئات الضباط وجنود الاحتياط في الجيش، أعلنوا أنهم لن يستجيبوا لنداء الخدمة العسكرية في حال تم إقرار التعديلات القضائية.
وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير حذر نتنياهو من إمكانية حل الحكومة في حال تراجع عن التعديلات القضائية، وقال: “يجب على الحكومة ألا تستسلم للفوضى”، كما أن حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة وزير المالية رفض رفضاً قاطعاً وقف التعديلات. كذلك فإن وزير العدل ياريف ليفين الذي يقف وراء مشروع التعديلات القضائية، ويوصف ب”مهندس الانقلاب” هدد بالاستقالة إذا تم التراجع عنها.
وكان الكنيست وافق في قراءة أولى، يوم الثلاثاء الماضي، على التعديل الأول الذي يغيّر عملية تعيين القضاة، والثاني الذي يجعل المحكمة العليا غير مؤهلة لإلغاء أي تعديل للقوانين الرئيسية التي تعد دستوراً إسرائيلياً. وهناك بند آخر مثير للجدل، يقضي بإدخال بند الاستثناء الذي يتيح للبرلمان إلغاء بعض قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة تبلغ 61 صوتاً من أصل 120 صوتاً هم أعضاء الكنيست.
وفي حال قرر نتنياهو تعليق التعديلات القضائية لامتصاص غضب الشارع ، فإن المعارضة ترى أن التعليق لا يحل المشكلة بل يؤجلها، لذلك هي تصّر على موقفها ،والمضي في المواجهة حتى النهاية.
المصدر: صحيفة الخليج