بقلم: د. عدنان الربيعي
الشرق اليوم– نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يتناول التقدير الجدل الذي رافق طرح قانون الانتخابات العراقي وفق آلية سانت ليغو، التي طبقت سابقا في انتخابات 2014 و2018 قبل إلغائها في قانون العام 2020، ويفترض التقدير أن الساحة السياسية في العراق توفر الفرصة لإدارة الدولة لتمرير القانون الجديد.
أدناه النص كما ورد في موقع المركز:
أعاد طرح مشروع قانون الانتخابات العراقي للنقاش في مجلس النواب، الجدل المُتجدد بشأن نظام سانت ليغو، والذي في حال موافقة البرلمان عليه، سيعيد العمل بالدائرة الانتخابية الواحدة لكل مُحافظة، ويُلغي صيغة تقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة والذي طبق في انتخابات العام 2021.
تأتي مبررات تعديل قانون الانتخاب، بعد حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد عُقب انتخابات 2021، التي أعقبها حالة من الجمود السياسي، بعد الخلاف بين قوى الإطار التنسيقي، ونظيرتها في تحالف “إنقاذ وطن”، حيث تمسك الأخير بمقترحه تشكيل حكومة أغلبية بعد نيله الأكثرية من مقاعد مجلس النواب، مُقابل رفض الإطار التنسيقي ذلك المقترح وطرحه “الحكومة التوافقية” بديلاً عنه. قبل أن يعلن الصدر اعتزاله الحياة السياسية، ونشوء ائتلاف “إدارة الدولة” الذي توافق على تسمية محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء خلفاً لمصطفى الكاظمي.
العودة لجدل سانت ليغو
من جديد، عادت الكتل السياسيّة الكبيرة في البرلمان العراقي المتمثلة بائتلاف إدارة الدولة الذي يضم كلّ من (تحالف الفتح، ائتلاف دولة القانون، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، تحالف عزم، وبابليون المسيحي) فضلا عن عدد من المستقلين؛ للحديث عن تعديل قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية وفق نظام سانت ليغو وبقاسم انتخابي يبلغ (1.9).
حيث تجد أطراف إدارة الدولة أن التوجه نحو نظام سانت ليغو، هو الأكثر ملائمة للوضع في العراق، ويُجنب البلاد الإخفاقات التي شهدتها الانتخابات السابقة، إلى جانب الهدر الكبير في الأصوات. في المقابل يعترض عدد من المستقلين والكتل الصغيرة على تعديل القانون، ويعتقدون بأنه التفاف لتقليل فرص الأحزاب الصغيرة في البرلمان. حيث يرون في نظام سانت ليغو بوابة لسيطرة الأحزاب والكتل السياسية التقليدية على حساب الصغيرة، وأن اقتراح العودة له جاء بعد أن تمكنت قوى المعارضة من الوصول لمجلس النواب في انتخابات العام 2021، ومزاحمتها للقوى التقليدية.
وفي الواقع، يُجدد طرح نظام سانت ليغو، إشكالية التوافق على قانون انتخابات ثابت منذ أولى الانتخابات البرلمانية للنظام السياسي الحالي عام 2005، حيث استبدل القانون لمرات عدة، وفي كل مرة كانت القوى والكتل السياسية تُحاول التوائم مع ذلك التغيير، فضلاً عن الاعتراضات الشعبية والسياسية الصادرة من بعض الكتل المُتضررة. إلى جانب وجود خطاب وازن يدعو بالثبات في القوانين التي تمس المسار الديمقراطي والعملية الانتخابية، وألا يتم تغييرها تحت أي ظرف، أو وفق متطلبات أي طرف.
تحولات النظام الانتخابي في العراق
شهد العراق تحولات عدة في قانونه الانتخابي، على مستوى النظام والدوائر وطريقة احتساب الأصوات، فبعد أن كان العراق دائرة انتخابية واحدة عام 2005، عُدل القانون لتصبح كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، وخصصت عدد المقاعد وفقاً للنسبة السكانية، وطبق ذلك في انتخابات الأعوام (2010، 2014 و2018)، مع تعديل في آلية توزيع أصوات الناخبين عام 2014 حينما أدرج نظام سانت ليغو للمرة الأولى وفقاً للتعديل العراقي عليه، حيث اعتمد العراق القاسم الانتخابي (1.6) بدلاً من القاسم المطبق عالمياً (1.4)، ما رفع من حظوظ القوى التقليدية بالسيطرة على مجلس النواب على حساب القوى والأحزاب الأصغر.
وعلى ذلك يمكن إدراج التحولات التي طرأت على قانون الانتخابات منذ أوّل انتخابات نيابية عراقية عام (2005) وهي:
1- اعتماد الدائرة الواحدة في انتخابات الجمعية الوطنية 2005، وقد اعتمد عليه لعدم وجود بيانات إحصائية خاصّة بالمحافظات، ميزته أنه يحافظ على الأصوات من الضياع، وتمثيل الجماعات الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء العراق.
2- في انتخابات (2010، 2014 و2018) فقد اعتمدت قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2006 وتعديلاته، وفيه أصبحت كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، بعدد مقاعد متناسبة مع عدد السكان في المحافظة وفق إحصائيات وزارة التجارة.
3- في انتخابات العام 2014، تم اعتماد نظام سانت ليغو لاحتساب الأصوات، قبل أن يتم إلغاؤه عام 2020، وقد اعتمد العراق على قاسم انتخابي بلغ (1.5) عام 2014، و(1.7) عام 2018، في حين أن القاسم الانتخابي المطبق عالمياً هو (1.4)، وهذا الارتفاع بين عامي 2014 – 2018 عزز من حظوظ القوى التقليدية بالسيطرة على مجلس النواب على حساب القوى والأحزاب الأصغر.
4- في انتخابات العام 2014، تم اعتماد نظام سانت ليغو لاحتساب الأصوات، قبل أن يتم إلغاؤه في انتخابات العام 2020، لصالح إقرار قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020، وفيه تم تقسيم المحافظات إلى دوائر متعددة، وتحسب الأصوات وفق نظام الانتخاب الفردي، وللمرشح الحاصل على أعلى الأصوات، وذلك لضمان تساوي جميع الأصوات ووصولها إلى المناطق الصغيرة، والذي جاء عُقب احتجاجات طالبت بإحداث تغيير جذري في المشهد السياسي.
الفرصة السانحة لتعديل قانون الانتخاب
تنظر بعض القوى في ائتلاف إدارة الدولة، أن الساحة السياسية اليوم مناسبة للسير قدماً في تعديل قانون الانتخابات، فمن جهة تفقد قوى تشرين المعارضة زخمها الاحتجاجي، وليست هناك مؤشرات توحي بأن تغيير القانون قد يؤثر على التيار الصدري، أما في حالة المستقلين، فإن بعضاً منهم ينخرط مع قوى إدارة الدولة في مفاوضات بهدف التوصل معهم إلى حلول وسط بشأن صيغة قانون الانتخابات القادم.
أولاً: انحسار الزخم الاحتجاجي
فقدت احتجاجات تشرين الكثير من زخمها، وأصبح من المستبعد أن تُعيد القوة التي كانت عليها عام 2019، لعدّة أسباب أهمّها؛ أن الفاعلين بها من الشباب أصيبوا بالإحباط نتيجة التوقعات العالية التي رفعت مقارنة بالنتائج التي تحققت، فضلا عن أن الأحزاب التشرينية التي تشكلت بعد الاحتجاج لا تتماشى والطموحات الكبيرة التي صيغت داخل ساحات الاحتجاج، فضلاً عن أن أطرافاً تنتمي إلى تشرين تتفاوض حاليا مع الكتل السياسيّة حول قانون الانتخابات، ممّا يعني بأنّهم اختاروا طريق المفاوضات على طريق الاحتجاجات.
ثانياً: الصدر وقانون الانتخابات
قد لا يكون لقانون الانتخابات الأثر ذاته على الصدر كما في حالة القوى المعارضة الأخرى، حيث يمتلك قاعدة جماهيرية مكنته من التكيف مع جميع القوانين الانتخابية السابقة، سواء كانت الدائرة الواحدة أو الدوائر المتعددة، و(سانت ليغو).
فضلا عن ذلك فإنّ تحالف إدارة الدولة استعمل طريقة التدرج في طرح القانون، بداية من الطرح الإعلامي له، ثم انتقاله مرحلة القراءة البرلمانيّة، بهدف قياس ردود أفعال الصدريين، ومن ثمّ التعاطي النهائي مع ردود الأفعال.
وبذلك فإنّ احتمالية مواجهة الصدريين للقانون الجديد تتضاءل مع وجود تلك الأسباب، ممّا يعطي فرصا قويّة لإقراره بالصيغة المعلن عنها أو بصيغة قريبة منها.
ثالثاً: المستقلون يفاوضون لتحسين القانون
ينخرط عدد من النواب والأحزاب السياسيّة ممن يدعون أنفسهم بالمستقلين في مفاوضات مع أطراف تحالف إدارة الدولة بشأن القانون الجديد، ما يُفهم بكونه قبولاً مبدئياً لخطوات الأخيرة في إقرار القانون، ويزيد من احتمالات التوصل إلى صيغة مشتركة مقبولة للمستقلين.
كل تلك الإشارات تبيّن بأن قانون الانتخابات يسير إلى تمريره داخل مجلس النواب، مع وجود عدد من المقترحات الوارد الأخذ بجزء منه؛ وهي كالآتي:
– الاقتراح الأوّل الذي قدمته بعض المؤسسات المعنية بضمان أكبر قدر ممكن من التوافق على القانون، حيث اقترحت أن يتكون من قائمتان: الأولى يكون فيها الانتخاب للقائمة؛ بحيث ترضي بذلك الأحزاب الكبيرة، والثانية للانتخاب الفردي بحيث ترضي فيها المستقلين والأحزاب الصغيرة، إلا أن ذلك المقترح لم يلقَ قبولا وتم رفضه.
– الاقتراح الثاني يتمثل في النزول من نسبة (سانت ليغو) من (1.9) إلى (1.4)، وذلك يضمن أن تكون هناك حظوظا كبيرة للأحزاب الصغيرة والكبيرة معاً، إلّا أن ذلك المقترح واجه تعارضا من تحالف إدارة الدولة، ومن الصعب تمريره.
– تشير المفاوضات إلى وصول تقارب في تقليل النسبة إلى (1.6) وتلك النسبة تتلاءم مع مطالب الكتل الكبيرة، ويبدو أن تلك المفاوضات لم تكتمل بدلالة طرحه في مجلس النواب بالصيغة الأولى وهي (1.9).
– هناك إجماع بأن تكون كل محافظة دائرة انتخابية واحدة ولا يوجد اعتراض كبير بشأنها.
تحديات أمام مسار سانت ليغو
على الرغم من السيطرة البرلمانية التي يتمتع بها ائتلاف إدارة الدولة حيث يملك ما يقارب 275 نائبا في البرلمان، من أصل 390 نائبا. إلّا أنه يسير ببطء في تمرير ذلك القانون وذلك لعدّة أسباب، وهي:
أولاً: خشية من عودة الاحتجاجات والتي يتخوف أن تتلقى دعماً من شريحة واسعة من المدنيين والأحزاب الناشئة.
ثانياً: عودة التيار الصدريّ إلى الاحتجاج الجماهيري والذي تعد جماهيره من بين الأكثر عدداً وتأثيرا.
ثالثاً: على الرغم من امتلاك ائتلاف إدارة الدولة لأغلبية مقاعد البرلمان إلّا أنّه لا يتيح له الشرعية الكاملة خصوصا بعد انسحاب الصدريين من مجلس النواب، ونسبة المشاركة في الانتخابات التي قدرت بـ 20% فقط من أصوات الناخبين.
رابعاً: تجنباً لمواجهة الاعتراضات الدوليّة التي تُشدد غالباً على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خامساً: عدم اعتراض مسار الحكومة الحالية، والتي تسعى لتحقيق إنجازات تكون ملموسة بالنسبة للمواطنين.
سادساً: عدم وجود اجماع كامل داخل إدارة الدولة على القانون، فهناك اعتراضات صدرت من قبل بعض النواب الكرد، وكذلك السنة على التعديل الجديد.