بقلم: خليل حسين- صحيفة الخليج
الشرق اليوم- شكلت القمة الصينية – الروسية في موسكو صورة لآمال وردية مشتركة، يعلق عليها البلدان آمالاً كبيرة في ظروف دولية ضاغطة، ويحتاج فيها الطرفان إلى إطلاق مواقف تعزز مسار نظام عالمي يسعى إليه الطرفان بقوة، وهو ما أعلن عنه قبلاً وفي عدة مناسبات آخرها كان في قمة بكين في الرابع من فبراير/ شباط 2022. وتأتي زيارة الدولة للرئيس الصيني لموسكو أقلّه لتظهير الدور الدبلوماسي الريادي الذي تقوده بكين في غير اتجاه دولي.
في الواقع عمل الطرفان منذ العام 1990 على إطلاق شراكات استراتيجية، شكلت رؤى تنافسية في مواجهة واشنطن وغيرها من الدول الغربية، وقد عززت تلك التوجهات مجموعة لا يستهان بها من القضايا الدولية الحساسة ذات الاهتمام المشترك، وما رفع من مستوى تلك المسارات الحرب الروسية الأوكرانية التي تحاول اليوم بكين الدخول عبرها لتظهير دور دبلوماسي ذات طابع عالمي فاعل بعد وساطتها الناجحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويأتي لقاء الرئيسين الصيني شي جي بينغ والروسي فلاديمير بوتين في ظل حذر أمريكي وأوكراني واضحين، على خلفية الموقف الصيني من الحرب الدائرة، وعرضها لمبادرة تتضمن اثنتي عشرة نقطة لإنهاء الحرب دون ذكر انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا وهو أمر رفضته بطبيعة الأمر كل من كييف وواشنطن، في ظل حديث عن خوف غربي عُبر عنه لجهة تقديم دعم عسكري صيني لموسكو في إطار الحرب الأوكرانية.
كما أتت القمة في ظرف دولي ضاغط تمثل بإعلان موسكو عن موقف سلبي من معاهدة (ستارت 2) التي تشكل ركناً استراتيجياً في العلاقات الروسية -الأمريكية، ويعتبر شكلاً من أشكال التصعيد النوعي في العلاقات الثنائية والدولية لطالما تم التعامل معه بحذر شديد في المراحل السابقة، اذ تأتي القمة كرافد جانبي لدعم موقف موسكو في هذا الإطار.
لقد نسج الطرفان الصيني والروسي علاقات ثنائية ومتعددة الطرف مع شركاء إقليميين ودوليين كتجمعي «البريكس» و«شنغهاي» وغيرهما، وتم عقد اتفاقات تجارية واقتصادية متنوعة وصلت قيمتها وأصولها لأكثر من مئة مليار دولار في العقد الماضي رغم العقوبات الاقتصادية على موسكو، ما شكل متنفساً وازناً للاقتصاد الروسي بخاصة بعد الحرب الأوكرانية، حيث تتعرض لعقوبات غربية واسعة.
ما يهمّ الطرفين الصيني والروسي حالياً بناء شراكات اقتصادية وتجارية لا تخلو طبعاً من أبعاد أمنية وعسكرية، وهو ما تطمح إليه موسكو في هذه المرحلة، وإن لا يبدو صريحاً وواضحاً، فثمة خشية روسية واضحة من تهديدات أطلسية مفترضة تعتبرها موسكو مسّاً بأمنها القومي ومجالها الحيوي، وهو ما دفعها عملياً لإطلاق الحرب على أوكرانيا في وجه الغرب، بعدما ضاقت ذرعاً بعلاقاتها مع حلف الأطلسي بخاصة في خاصرتها الشرقية الرخوة في أوكرانيا والشمال الغربي دول “البينلوكس” والبلطيق.
في أولويات العقل الباطني الأمريكي ثمة خصم برتبة عدو يتمثل بالقوة الصينية الخامدة التي لا يعرف توقيت انفجارها، وبطبيعة الأمر تدرك بكين هذه الخاصية في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، لذا هي بحاجة أيضاً لركن دولي تستند إليه في أدوات ووسائل المواجهة المحتملة، وتأتي هذه القمة في سياق الحياكة الصينية الهادفة لردم أي ثغرة يمكن استغلالها أمريكياً في علاقات الصين الدولية ومنها الروسية.
تأتي قمة فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في مرحلة حساسة للطرفين، وهي حاجة متبادلة تتخطى الترف السياسي والدبلوماسي المعتاد بين الدول، لتظهر صوراً أشد متانة في الواقع الدولي الراهن. سيما وأن روسيا تبحث عن مخرج لحربها مع أوكرانيا بعد استنزاف واضح وقاسٍ، وفي ظل استراتيجية صينية واضحة المعالم حالياً قوامها الحراك الدبلوماسي لتوظيفه كقوة ناعمة في وجه الغير، وبخاصة واشنطن التي تعتبر حالياً نقطة الجذب المشتركة للطرفين؛ كما أتت القمة في توقيت لافت بعد إعلان قرار المحكمة الجنائية الدولية لقرار التهم الموجهة للرئيس الروسي بوتين بخصوص جرائم الحرب وضد الإنسانية في أوكرانيا، رغم عدم انضمام موسكو إليها، وهو ما يعتبر تحدياً شخصياً له.