بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد اثني عشر عاماً على اندلاع الثورة الشعبيّة في مثل هذه الأيام من شهر آذار (مارس) 2011، لم يعد الموضوع موضوع الحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة. سوريا تفتتت نتيجة حرب مستمرّة يشنها نظام أقلّوي على شعبه. تحتاج سوريا إلى صيغة جديدة، غير صيغة حكم الأجهزة الأمنية وبعض الطائفة العلويّة، من أجل الخروج من أزمتها العميقة. هذه الأزمة التي جعلت منها بلداً واقعاً تحت خمسة احتلالات في الوقت ذاته (الإيراني، الروسي، الإسرائيلي، التركي، الأمريكي).
ليست الثورة السوريّة سوى تعبير عن رفض شعبي لنظام لم يمتلك، في يوم من الأيّام، أي شرعيّة من أي نوع كان، وذلك منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه حزب البعث في الثامن من آذار ( مارس) 1963 تمهيداً للقضاء الممنهج على سوريا وقدرة شعبها على لعب دوره الطبيعي في المنطقة. شيئاً فشيئاً، حوّل البعث بلداً كان يمكن أن يكون من البلدان المزدهرة في المشرق العربي إلى بلد بائس، حيث لا همّ لدى الحاكم سوى البقاء على كرسيه بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه البلد وشعبه.
كان حزب البعث، خصوصاً بعد الانقلاب الذي نفّذه الضباط العلويون في 23 شباط (فبراير) 1966، مجرّد غطاء لعملية تستهدف إفراغ سوريا من خيرة شبابها من جهة، وترييف المدينة من جهة أخرى. هناك حقد دفين لدى النظام الأقلّوي على كلّ مدينة سوريّة كبيرة مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، بصفة كونها مدناً سنّية فيها وجود مسيحي قديم.
أكثر من أي وقت، تحتاج سوريا إلى صيغة جديدة تفضي إلى التخلّص من النظام الأقلّوي القائم الذي يعني، بين ما يعنيه، تجاذباً بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران وروسيا مع أفضلية لإيران في ضوء غرق فلاديمير بوتين في الوحول الأوكرانيّة.
كان أفضل تعبير عن هذا التجاذب الزيارة التي قام بها بشّار الأسد لموسكو حديثاً، حيث التقى فلاديمير بوتين، مبدياً الاستعداد لاستقبال مزيد من القواعد العسكرية والقوات الروسيّة في سوريا. لكن النقطة الأهم في تلك الزيارة كانت الشروط التي وضعها الأسد الابن لعقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تكشف تلك الشروط التعجيزية حجم النفوذ الإيراني على بشّار، من جهة، وإلى أي حد تراجع النفوذ الروسي في دمشق، من جهة أخرى.
من ناحية الشكل، راعى رئيس النظام السوري فلاديمير بوتين إلى أبعد حدود. في المضمون كان إيرانياً مئة في المئة. لم يلبّ طلب روسيا اعتماد المرونة مع أردوغان. فضّل بدل ذلك اللجوء إلى الشعارات، بما في ذلك تحديد موعد للانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية، لتبرير رفضه المطلوب منه روسياً.
بعد اثني عشر عاماً على اندلاع الثورة الشعبيّة في سوريا، وبغض النظر عن غياب النضج لدى من يسمون أنفسهم المعارضة السوريّة، خصوصاً لدى الإخوان المسلمين العاملين تحت لافتات مختلفة يربط بينها الإرهاب والتخلف والتطرف، بات مصير سوريا مرتبطاً إلى حد كبير بالتوازنات الإقليمية في المنطقة.
هناك نظام انهار في دمشق. يؤكّد هذا الانهيار أن وجود بشار الأسد في منزله في العاصمة السورية رهينة الدعم الإيراني، عبر ميليشيات مذهبيّة مختلفة أوّلاً والدعم العسكري الروسي في الدرجة الثانية. سيعتمد الكثير على ما إذا كانت إيران تغيّرت بالفعل في ضوء مضمون البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني الذي تحدث عن “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة”.
مرّة أخرى، لم يعد الموضوع موضوع مستقبل النظام السوري، بعدما كشفت زيارة موسكو أن لا علاقة لبشّار الأسد بالواقع، بمقدار ما كشفت أنّه يرفض أخذ العلم بما يدور في المنطقة والعالم وحتّى على الأرض السوريّة.
متى يحدث التغيير الكبير في سوريا التي جعلها حكم البعث بمثابة هيكل عظمي؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال في الوقت الحاضر. يعود ذلك إلى أن السؤال الحقيقي الذي سيطرح نفسه عاجلاً أم آجلاً يتعلّق بمستقبل إيران نفسها وحصول تغيير فيها. هل يمكن لإيران في ظلّ نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة”، أن تصبح دولة طبيعية من دول المنطقة يوماً وتتخلى عن أوهامها الكثيرة، بما في ذلك وهم تحويل سوريا بلداً يدور في فلكها؟
بعد 12 عاماً على كشف الشعب السوري، بأكثريته، رفضه النظام، بات مستقبل سوريا مرتبطاً أكثر من أي وقت بمستقبل الشروع التوسعي الإيراني الذي راهن على تغيير الطبيعة الديموغرافية لما كان يسمّى “الجمهوريّة العربيّة السوريّة”. كانت النتيجة جعل البلد غير قابل لإعادة تشكيله، صارت صيغة ما قبل آذار (مارس) 2011 تنتمي إلى ماض بعيد.
هل تغيّرت إيران حتّى يصبح ممكناً الكلام عن بصيص أمل في سوريا، علماً أنّ الواجب العربي يفرض في كلّ وقت توفير الدعم للشعب السوري وتوفير ما يحتاج إليه من مساعدات بكلّ الوسائل المتوافرة؟