الرئيسية / مقالات رأي / جدّية الصين… ونيّات إيران

جدّية الصين… ونيّات إيران

بقلم: خيرالله خيرالله- النهار العربي

الشرق اليوم- من الواضح أنّ البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني يعكس رغبة واضحة لدى بيجينغ في أن تلعب دوراً في مجال حماية مصالحها في منطقة الخليج تمهيداً لدور أكبر على الصعيد الدولي. لا يمكن تجاهل أنّ هذه المنطقة، منطقة الخليج، في غاية الأهمّية بالنسبة إلى بلد مثل الصين يحتاج اقتصاده دائماً إلى الطاقة، أي إلى النفط والغاز.

هل تستطيع الصين تأمين حدّ أدنى من النجاح للبيان الثلاثي؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال. يعود ذلك الى سبب في غاية البساطة يتمثل في أنّ البيان الثلاثي يفرض على “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التراجع عن مشروعها التوسعي الذي يعني بين ما يعنيه الهيمنة على المنطقة وفرض شروط “الجمهوريّة الإسلاميّة” على دولها.

ليس معروفاً ما إذا كانت الصين مستعدة لتوفير الشرط الأوّل لنجاح البيان الثلاثي الذي تضمن التزاماً إيرانياً واضحاً في ما يخص “احترام سيادة الدول” الأخرى و”عدم التدخل في شؤونها الداخلية”. مثل هذا الالتزام يتناقض كلّياً مع الخط السياسي الذي اتبعته إيران منذ تحولّها إلى “جمهوريّة إسلاميّة”. في أساس الخط السياسي الإيراني فكرة “تصدير الثورة” التي هي، إلى إشعار آخر، علّة وجود النظام الذي أقامه آية الله الخميني في العام 1979.

ليس سرّاً أن إيران استطاعت تحقيق قفزات كبيرة منذ العام 2003 عندما سلمتها إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة. كان وضع اليد الإيرانيّة على العراق بمثابة انطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني الذي انهته الحرب العراقيّة – الإيرانية بين العامين 1980 و 1988، وهي حرب انتهت بشبه انتصار عراقي. لا يرمز إلى شبه الانتصار العراقي أكثر من قرار الخميني وقف الحرب واعترافه بأنّ عليه “شرب كأس السمّ”.

في النهاية، هل تستطيع إيران التراجع عن مشروعها التوسعي. ذلك هو التحدي الأكبر أمام البيان الثلاثي. سيتوجب على إيران التراجع في اليمن أوّلاً. أقامت “الجمهوريّة الإسلاميّة” كياناً تابعاً لها في اليمن تتحكّم به جماعة الحوثيين التي تسمي نفسها “أنصار الله” تيمناً بـ”حزب الله” في لبنان.

ما مستقبل الكيان الذي أقامته إيران في اليمن، وهو كيان تحوّل قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني في شبه الجزيرة العربيّة؟ لا هدف للكيان الحوثي غير ابتزاز المملكة العربيّة السعودية وكلّ دولة عربيّة خليجية. ليس معروفاً كيف تستطيع الصين ممارسة دور يصبّ في التوصل إلى تسوية في اليمن الذي ليس طبيعياً أن يكون جزء منه مجرّد مستعمرة وقاعدة عسكريّة إيرانية.

لا يتعلّق الأمر باليمن وحده، خصوصاً بعدما تحوّلت إيران إلى خطر يهدّد كلّ دولة عربيّة وصولاً إلى شمال أفريقيا. لم يعد سرّاً أن إيران تزود الجزائر مسيّرات كي تستخدمها جبهة “بوليساريو” في حرب استنزاف يشنها النظام الجزائري على المغرب بسبب استعادته أقاليمه الصحراوية من المستعمر الإسباني. ليست “بوليساريو” سوى أداة جزائرية لا أكثر… اللهمّ إلّا إذا صارت الآن أداة إيرانيّة أيضاً!

تستطيع إيران إثبات أنّها دولة طبيعيّة تهتم بشؤون شعوبها، المنتفضة على نظامها القمعي أولاً، بدل تشكيل ميليشيات مذهبيّة في العراق تعمل تحت مسمّى “الحشد الشعبي”… وبدل إرسال ميليشيات لبنانيّة وأفغانيّة وعراقية إلى سوريا لدعم نظام أقلّوي مرفوض من شعبه. كذلك، تستطيع إيران إثبات أنّها دولة حضارية عندما تتوقف عن عملية التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة اللبنانيّة، أو ما بقي منها، من طريق ميليشيا مذهبيّة اسمها “حزب الله”.

أين الدور الصيني في كبح إيران ومشروعها التوسّعي؟ سيكشف تنفيذ ما ورد في البيان الثلاثي مدى جدّية الصين بمقدار ما سيكشف نيات إيران على حقيقتها. في النهاية، يبدو البيان الثلاثي امتحاناً للصين، التي عرضت وساطتها لوقف الحرب الأوكرانيّة أيضاً. تحدث الحلّ عن احترام القانون الدولي وسيادة الدول، لكنه لم يتضمن أي إدانة للحرب التي شنّها فلاديمير بوتين على بلد جار كان في استطاعته التوصل معه إلى تسوية من دون استخدام القوة واللجوء إلى قتل آلاف الأبرياء من الأوكرانيين وتدمير مدن على سكانها.

لا يمكن الاستخفاف بما قامت به الصين بين المملكة العربيّة السعودية من جهة و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران من جهة أخرى. ما قامت به الصين اختراق كبير سيثير من دون أدنى شكّ تساؤلات لدى الإدارة الأميركيّة ولدى إسرائيل. لكنّ ذلك كلّه لا يحول دون التساؤل هل تستطيع الصين حمل النظام الإيراني على التراجع في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان؟ مثل هذا السؤال يبدو مشروعاً، لا لشيء سوى لأن أيّاً من دول الجوار أو من الدول العربيّة القريبة أو البعيدة لم تعتد على إيران في يوم من الأيام. حتّى صدّام حسين، بكل غبائه، لم يشنّ حرباً على إيران في العام 1980 إلّا بعد سلسلة من الاستفزازات تعرّض لها العراق.

نعم، البيان الثلاثي امتحان لإيران التي عليها أن تثبت خلال شهرين هل من مجال لإعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع السعودية. لكنّ البيان امتحان للصين أيضاً ولطموحاتها في المجال الدولي ولقدرتها على لعب أدوار خارج حدودها!

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …