الرئيسية / مقالات رأي / سيناء: انتهى “داعش” وبقي “الإخوان”!

سيناء: انتهى “داعش” وبقي “الإخوان”!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي

الشرق اليوم- ربما كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باستفاضة عن جهود الدولة في مكافحة الإرهاب الذي تفشى لسنوات في شبه جزيرة سيناء، ويسرد تفاصيل تتعلق بكلفة مكافحة الإرهاب هناك، وبحجم المشاريع الكبرى التي يجري تنفيذها في سيناء، رغم الإجراءات الأمنية التي فرضتها ظروف الإرهاب ومكافحته.

وهو وجه الكلام أخيراً بالعامية المصرية إلى شعبه قائلاً: “حبيت أقولكم اللي انتوا عملتوه السنين اللى فاتت كان ممكن ميتعملش ويتأجل.. الرقم اللي اتكلف في سيناء من 40 إلى 50 مليار دولار، لو بيتعمل دلوقت هيتكلف ضعف الرقم ده، والوقت اللى محتاجينه للتنفيذ هيتضاعف”. كان السيسي يحتفي مع بعض رجال الدولة باختفاء الإرهاب وانتصار الدولة والشعب على مرتكبي الحوادث الإرهابية، وشدد على أن الإرهاب “كان يعوق حياة الناس وليس التنمية فقط”. وأضاف: “الإرهاب اللي كان موجود كان يعيق حياة الناس، لأن لو مفيش أمان الناس مش هتعرف تعيش حتى لو عايشه، والحمد لله اللي تحقق بفضل الله والجيش والشرطة وأبناء سيناء”، منبهاً إلى أن “سيناء مساحتها 60 ألف كيلومتر.. وإحنا في مصر عايشين تقريبا على 60 ألف كيلو تقريباً”.

وتساءل السيسي عن الحرب على الإرهاب، قائلاً: “هل حرب الإرهاب خلصت؟.. لغاية دلوقت حجم من الشائعات والأكاذيب والافتراءات غير طبيعي.. آخرهم قناة السويس.. لكن المصريين منتبهين لده ومش هيصدقوا”.

المغزى من كلام الرجل هنا أن الإرهاب على الأرض توقف بفعل الحملة التي يشنها الجيش منذ سنوات ضد الإرهابيين هناك، لكن هذا لا يعني أن نشاط الإخوان المسلمين، حتى من خارج البلاد، لتخريب الأوضاع في سيناء وغيرها قد يستمر لفترة.

وأضاف السيسي: “اتقال اننا بنفكر نبيع قناة السويس وفيه عرض.. عملولي وجمعوا كلامي ده وعملوا فيلم وإن الكلام ده قلته.. وقالك بتريليون دولار!”. وحذر من “محاولات  لعرقلة الجهود المصرية” قائلاً: “محاولة عرقلة المصريين مستمرة وهتستمر وبالتالي مش هقول الوعى لأنه موجود عند كل قطاعات الشعب المصرى.. ولو الوعى ده مش موجود مكنتش الناس استحملت معانا الظروف الصعبة والأسعار الغالية اللى بتمر بها مصر بقالها أكثر من سنة لدلوقت” .

ليس سراً تورط تنظيم الإخوان الإرهابي وعناصره في محاولات مستمرة لزرع تنظيمات إرهابية في سيناء. ومنذ ضرب الربيع العربي المنطقة في عام 2011، لم يتوقف الإخوان عن تسخين شبه الجزيرة، وتحالفوا مع تنظيمات إرهابية أخرى كانت سبقتهم إلى تأسيس قواعد لها هناك، لكن كما فشل الإخوان في حكم مصر ثم في استعادة الحكم بعد ثورة الشعب المصري ضدهم في عام 2013، ثم فشلهم في كل دعوات الثورة التي تسوّلوا فيها خروجاً إلى الشوارع والميادين فشلوا أيضاً في الصمود والحفاظ على موطئ قدم في أي منطقة أو حي في سيناء.

تواصلت معركة الجيش المصري والشرطة كذلك ضد الإرهابيين في سيناء على مدى سنوات، بينما لم يتوقف الحكم عن المضي في إعادة تعمير سيناء وتغيير أنماط الحياة بين مدنها، وبالتوازي مع الحملة ضد الإرهاب كانت الحكومة تعلن عن مشاريع جديدة في شبه الجزيرة التي عانت تسرطن الإرهاب فيها، إلى درجة جعلت تنظيم “داعش” يطلق عليها ولاية سيناء بعدما تحولت، بمساعدة الإخوان، إلى مركز لتجميع الإرهابيين وتدريبهم بهدف فصلها عن مصر.

عند المقارنة بين مرحلة العمليات الإرهابية التي مرت بها البلاد، خصوصاً في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وما تعرضت له مصر منذ الربيع العربي وقياس أدوار الأجهزة الأمنية في الحالتين، يظهر الفارق الجوهري في أن الدولة واجهت الإرهاب في المرات السابقة والمجتمع متماسك، بدءاً من سبعينات القرن الماضي، والذي وصل إلى مداه باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 قبل أن يهدأ لفترة ثم يعود لعقدين.

وقتها لم يكن الإخوان إلا مجرد جماعة لها حضور في الشارع ووجود في الإعلام والفضائيات المحلية وعلاقات حتى مع الحكم ورموزه، وليس فصيلاً يدعم الإرهاب أو يجرؤ على تبرير أفعاله أو يعيق أداء الأجهزة الأمنية أو يشغلها عن مواجهته، كما أن منفذي العمليات الإرهابية على مدى تلك العقود كانوا ينتمون إلى تنظيمات محدودة العدد، وحتى حينما انتشر العنف بصورة كبيرة في العقد الأخير من القرن الماضي وتنوعت العمليات الإرهابية ما بين استهداف المسؤولين والشخصيات العامة أو المصارف والمنشآت السياحية، ووصل إلى الذروة بمحاولة لاغتيال رئيس الدولة وقتها (حسني مبارك)، ظلت أعداد الإرهابيين قليلة نسبياً، بل إن نشاطهم كان ينحصر في مناطق محدودة ومعروفة كالصعيد وبعض أحياء القاهرة أو الوجه البحري.

تبدلت الحال وتغيرت بعدها بصورة كبيرة، إذ إضافة إلى الجماعات الراديكالية الموجودة في سيناء كـ”أنصار بيت المقدس” و”التوحيد والجهاد”، أضيف إليهما الإخوان وأجنحة الجماعة العسكرية. نعم لا يمكن أن تصدق أن نصف مليون يصنعون انقساماً في بلد يتجاوز عدد سكانه المئة مليون نسمة، لكن لا ننكر أن هذا العدد قادر على تهديد تماسك المجتمع، خصوصاً إذا كانوا ملبين جيدين لتعليمات مرشدهم وقادتهم، مصدّقين كل ما يدّعيه مكتب إرشادهم وحاضرين دائماً لكل موقعة صدرت لهم التعليمات ليكونوا فيها. عند الحكم على أداء مؤسسات الدولة عموماً والأجهزة الأمنية خصوصاً، لا بد من حساب مدى تماسك المجتمع والاتفاق بين غالبية مواطنيه على الحفاظ عليه وحماية بنيته التحتية، بل العمل على تنميتها وتطويرها لا تدميرها وتخريبها. وربما هذا ما جعل السيسي يشدد في كلامه الأخير على الدور الذي اضطلع به أهل سيناء في مكافحة الإرهاب.

يتذكر المصريون كيف كانت قنوات الإخوان تنقل، قبل سنوات، على الهواء وقائع نقل المواطنين المصريين الذين جرى ترحيلهم من مساكنهم على مسافة 300 متر من خط الحدود مع قطاع غزة، وكذلك عمليات تفجير المنازل المحاذية للحدود تمهيداً لإقامة المنطقة العازلة مع القطاع لتنهي مصر مأساة الأنفاق. وقتها تساءل الناس: لماذا يغضب الإخوان من تأمين الحدود المصرية مع القطاع؟ الإجابة ببساطة أن البث كان يتم من قطاع غزة، وأن الكاميرات كانت تنقل الحدث من فوق بناية عالية قريبة من الشريط الحدودي مباشرة داخل مدينة رفح الفلسطينية، والواقعة ذات مغزى، إذ أكدت أن وجهة النظر المصرية في ضرورة وقف “مهزلة” الأنفاق صائبة، وأن الأمر تحول من خلاف قد يكون فكرياً إلى عداء علني وصريح!! والحقيقة أن حركة “حماس” نفسها لم تحافظ على الأنفاق ولم تطمئن السلطات المصرية أبداً إلى أنها لن تُستخدم لضرب الاستقرار في مصر، ولن تكون سبباً في قتل مواطن مصري واحد، ولن تصبح أداة تستخدم لمصلحة الإخوان إذا ما أتوا إلى الحكم أو رحلوا عنه. والمؤكد أن تأسيس المنطقة العازلة التي بقيت لسنوات غير عازلة، سهل الأمر على السلطات المصرية أو قل جعل الحملة ضد الإرهاب أكثر تركيزاً داخل شبه الجزيرة من دون أن يأتي الخطر من حيث لا يحتسب القائمون على الحملة. ربما تكون المعركة ضد إرهاب التنظيمات التقليدية انتهت بالفعل أو كادت، لكن عناصر الإخوان يخترقون المجتمع المصري كله من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، في سيناء وغيرها من المدن المصرية، يعملون في وظائف عامة وينشطون في التجارة والتصدير والاستيراد والمهن الحرة، ويذوبون بين نسيج المصريين ويكمنون أثناء المحنة، وهم الآن في محنة لن يتوقفوا عن محاولات الخروج منها ليدخلوا كل مصر في محنة أكبر.

شاهد أيضاً

لبنان واليوم التالي

العربية- غسان شربل الشرق اليوم– شاءتِ المهنةُ أن أكونَ في دمشقَ يوم اغتيالِ الرئيس رفيق …