بقلم: د. رياض نعسان أغا – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- كان الأشقاء العرب أول من بادر لإيجاد حل للقضية السورية قبل أن يتسع مستنقع الدماء، ويحدث الدمار المريع الذي حطم كل ما أنجزه السوريون من بناء وتنمية على مدى مائة عام مضت، فضلاً عن الشروخ التي أصابت النسيج الاجتماعي السوري، وأطلقت جمرات من خبايا الصراعات التاريخية المذهبية والعرقية. وقد توالت الوفود العربية إلى دمشق تقدم رؤى للحلول الممكنة، وتدعو الأطراف المتصارعة إلى وقف الاقتتال ومتابعة الحوار السياسي الذي بدأ داخلياً في مجمع صحارى بدمشق، ثم جاءت مبادرة الجامعة العربية عام 2012 وتم إرسال بعثة مراقبين برئاسة محمد مصطفى الدابي، ولم تنجح المبادرة في مسعاها. ومع ذلك استمر الأشقاء العرب في البحث عن حل عربي، واقترحوا خطوات عملية من أهمها إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وأخفقت المبادرة، واضطر العرب إلى إحالة القضية إلى مجلس الأمن. ومع تزاحم التدخل الدولي تراجع الدور العربي، وبرز دور إيران ثم دور روسيا التي شاغلت مجلس الأمن بالفيتو، وتعمقت الخلافات الدولية في توجهات الحل، وفي تفسيرات بيان جنيف رغم وضوحه، ثم ظهرت خلافات أعمق حول تفسيرات القرار 2254 الذي لا يزال يعتبر خريطة الطريق الأسهل للوصول إلى حل شامل وممكن. وقد انطلقت المفاوضات السورية في جنيف عبر توافق دولي ورعاية عربية جادة، وبخاصة من المملكة العربية السعودية التي رعت مؤتمري الرياض، كذلك كان الدور الفاعل والداعم الهام من دولة الإمارات التي سعت بإخلاص ودأب للوصول إلى الحل السياسي.
كان مؤتمر الرياض الأول قد تفهم المستجدات الدولية والمتغيرات السياسية والتخلي الأمريكي، ومضى مع واقعية الممكن عبر قبول معلن بتشكيل هيئة حكم انتقالي. وجاء هذا القبول بعد بروز الدور العسكري الروسي، واختلال موازين القوى. لكن مفاوضات جنيف لم تصل إلى شيء، وبات الحل العسكري أقوى حضوراً في الساحة السورية، واشتد دور التنظيمات المتطرفة التي زُرعت في الساحة، وتحول الصراع السوري الداخلي إلى ساحة دولية لمحاربة الإرهاب، وكان الشعب السوري هو الضحية في هذه الصراعات، لاسيما بعد أن هاجر ملايين السوريين بحثاً عن الأمان في أصقاع الأرض، وفقدت سوريا طاقات أبنائها التكنوقراط، وفقدت الطبقة الوسطى دورَها وحضورَها بوصفها حاملاً عملياً وموضوعياً في حراك الحياة السورية.
وازداد الوضعُ تعقيداً بعد تنامي النفوذ الخارجي والتقاسم الدولي العسكري لمناطق النفوذ، مما جعل الخوف من التقسيم يكبر، فضلاً عن شعور السوريين بأن المجتمع الدولي لا يملك إرادة جادة لإيجاد حل، فهو غير مستاء من بقاء الحال على ما هو عليه، وهذا يعني بقاء ملايين النازحين في الشمال السوري في الخيام، وبقاء خمسة ملايين طفل سوري بلا تعليم، وبقاء المقيمين في الداخل السوري في حالة من الفقر المدقع، ومن الاحتياج لضرورات استمرار الحياة.. وقد وصل هذا الشعور إلى الظن بأن الولايات المتحدة تريد تجميد الوضع السوري كما هو.
وأخيراً جاءت الزلازل لتزيد المأساة السورية مأساويةً، وبات ما يعانيه السوريون جحيم عذاب مرعب، وليس لديهم أمل بالمستقبل، وقد ردد كثير منهم مقولة محزنة بعد كارثة الزلزال تقول: “لقد نجا من مات، ومات من نجا”. وأعتقد أن هذا الوضع يستدعي حراكاً عربياً قوياً، هو ما يترقبه السوريون وبخاصة الذين باتوا في العراء بعد أن فقد مئات الآلاف بيوتهم بسبب الزلزال، ودخلوا مرحلةً أقسى من مراحل التشرد والعوز.
ويدرك أشقاؤنا العرب أن التخلي عن القرار الدولي 2254 سيجعل المبادرات مخفقة، لأن شروط النجاح هي التوافق والرضا، وهذا ما أتوقع أن يحرصوا عليه، والمهم أن تنجو سوريا من شرور التقسيم، ومن خطر الخروج من الجغرافيا ومن التاريخ معاً، في ظل نزف الدماء المتواصل إلى الآن.