الرئيسية / مقالات رأي / “البريكس” والعلاقات الهندية الأوروبية

“البريكس” والعلاقات الهندية الأوروبية

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تشهد العلاقات الأوروبية الهندية، تطوراً مضطرداً على جميع الصعد، لاسيما في المجالين الاقتصادي والسياسي نتيجة للتحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم على خلفية الحرب في أوكرانيا والصراع الذي بدأ يزداد حدة بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة والصين، وذلك على الرغم من أن الهند تعد من أبرز الدول المؤسّسة لمجموعة “البريكس” التي يسعى أعضاؤها إلى تجاوز الهيمنة الأوروبية والأمريكية على العالم.

وهناك بحسب المراقبين الدوليين، حاجة غربية وتحديداً أوروبية من أجل استمالة الهند وجعلها بديلاً اقتصادياً وسياسياً محتملاً في حال وصول الصراع مع بكين إلى مرحلة القطيعة في سياق ما أضحى يطلق عليه من طرف الشركات المتعددة الجنسيات بخيار “الصين زائد واحد” والذي يعتمد على تنويع المبادلات والاستثمارات مع قوى بديلة للصين وفي مقدمتها الهند التي تعد من أكثر الدول قدرة على منافسة التنين الصيني.

ويشير المراقبون إلى أن الحديث عن العلاقات الأوروبية- الهندية عاد مؤخراً مع استئناف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وحكومة نيودلهي من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن التبادل الحر بين الجانبين، من المنتظر أن يكون جاهزاً للتوقيع خلال السنة المالية 2023 – 2024، وقد عرفت هذه المفاوضات فترات من المد والجزر منذ انطلاقها سنة 2007 بسبب خلافات جوهرية أدت إلى توقفها جزئياً سنة 2013 قبل أن يعاد إحياؤها في سياق دولي شديد الاضطراب. وعليه، فإن الجانب الأوروبي يسعى من وراء هذه المفاوضات إلى مضاعفة مبادلاته التجارية وتحقيق اختراق حقيقي على مستوى الأسواق الآسيوية التي تمثل رهاناً أساسياً بالنسبة لكل الدول الغربية الساعية إلى الخروج من شرنقة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا والآثار السلبية للعقوبات المسلطة على روسيا.

ويمكن القول في هذا السياق، إن العلاقات التي تربط الاتحاد الأوروبي بالهند لا تقل أهمية عن علاقات الاتحاد بالصين، وهناك توقعات بأن تصل هذه العلاقات إلى مستوى استراتيجي غير مسبوق في السنوات القليلة المقبلة، وذلك بناء على المعطيات الحالية التي تشير إلى أن الهند تعد ثالث شريك اقتصادي للاتحاد الأوروبي؛ حيث تمثل المبادلات بين الجانبين ما قيمته 10 في المئة من مجموع المبادلات التجارية الهندية بمبلغ إجمالي يفوق 124 مليار يورو، كما أن الاتحاد الأوروبي هو أول مستثمر أجنبي في الهند بأكثر من 87 مليار يورو، بينما تحتل الهند المرتبة الثانية من بين الشركاء التجاريين للقارة العجوز.

ويتزامن هذا الاتفاق المرتقب بين الجانبين مع اتفاقيات أخرى للتبادل أبرمتها الهند مع العديد من الدول وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة وأستراليا، علاوة على المفاوضات التي تجريها نيودلهي مع كندا والمملكة المتحدة من أجل توقيع شراكات مهمة تعزز صلتها بمجموعة الكومنولث التي لا تتعارض بالنسبة للقيادة الهندية مع التزاماتها الجيوسياسة والجيواقتصادية ومع دورها الرائد داخل مجموعة البريكس.

ومن الواضح عطفاً على ما تقدم، أن الاتحاد الأوروبي سيستغل فرصة عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الجانبين في شهر آذار/مارس المقبل، لتحقيق تقدم ملموس في ملف الشراكة من أجل تسريع ولوج منتجات الاتحاد الأوروبي إلى السوق الهندية التي تعد من بين أكثر الأسواق العالمية نمواً، الأمر الذي يعزز قدرات الهند لكي تصبح في المستقبل القريب المركز الجديد للصناعات التحويلية في العالم بديلاً للصين في العديد من المجالات. وبالتالي، فإنه وفي اللحظة التي تنافس فيها الهند العملاق الصيني في المجال الاقتصادي، فإنها تسعى إلى المحافظة على سياستها التوافقية معه والقائمة على الرغبة المشتركة في تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

ونستطيع أن نخلص في الأخير إلى أن الشراكة بين الهند والاتحاد الأوروبي تصب في مصلحة الطرفين؛ حيث تريد نيودلهي أن تستفيد من التحويل التكنولوجي من الدول الأوروبية في قطاعات الصناعات العسكرية والبحرية والطاقات المتجددة والصناعات المرتبطة بالتكنولوجيا النووية من أجل مضاعفة ناتجها الداخلي الخام خلال عقد من الزمن، ويسعى الاتحاد الأوروبي في المقابل إلى الاستفادة من السوق الهندية التي هي في طريقها للتحوّل إلى أكبر سوق استهلاكي في العالم وهي فضلاً عن ذلك لا تشكل تهديداً جيوسياسياً للغرب كما هو الشأن بالنسبة للصين.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …