بقلم: محمد نور الدين – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بعد مرور نحو أسبوعين على الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط/ فبراير الجاري، بات المشهد بالنسبة لتركيا، واضحاً لجهة جدول أعمال السلطة أو المعارضة.
لا شك أن الزلزال الذي حصل كان كبيراً جداً وغير مسبوق في تاريخ تركيا والمنطقة عموماً. فالضحايا تجاوز عددهم في تركيا فقط الأربعين ألفاً والجرحى المئة ألف والمهجّرين الذين اضطروا لترك منازلهم عدة ملايين في منطقة يعيش فيها 15 مليوناً، فيما أكثر من سبعين في المئة من المنازل والأبنية إما مهدمة كلية أو إنها تحتاج إلى الهدم.
وإذا كانت الزلازل قدراً لا يرد، لكن مواجهة آثار الزلزال مسألة تتصل بالبشر والقدرة على مواجهة كوارث طبيعية باستخدام العلم كي يلطف الله بعامته.
وفي هذا المجال تعرضت السلطة المتمثلة برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى انتقادات قاسية وتحميل جوهر النظام الرئاسي نفسه مسؤولية كبرى في الفشل في تدارك جانب كبير من الأضرار البشرية والمادية التي حصلت في اليومين الأولين. فقد اتهمت المعارضة الدولة بأنها همّشت دور الجيش والهلال الأحمر في القوانين التي سنتها والتي باتت هذه المؤسسات “مساعدة لا شريكة” في مواجهة الكوارث. لذا لم يظهر الجيش بين الأنقاض إلا بعد مرور يومين وأكثر من حصول الزلزال وليس بالحجم المطلوب. بينما تبين أن هيئة إدارة الكوارث التي حصرت بها إدارة الأزمات الطارئة أعجز من أن تقوم بذلك.
كذلك فإن حجم الدمار الذي نتج عن الزلزال كان نتيجة طبيعية لحجم الغش في مواد البناء التي استخدمت لتشييد الأبنية فهوت مع أول نسمة زلزالية وحيث لا رقيب ولا تشديد؛ بل تسوية لاحقة حتى للأبنية التي شيدت من دون أي رخصة.
وبرز كذلك الاستخدام الرخيص لكارثة الزلزال في السياسة وقول الناطق الرسمي باسم “العدالة والتنمية” عمر تشيليك إن نواب حزب العدالة والتنمية والحركة القومية وهما جناحا “تحالف الجمهور” موجودون على الأرض لمواجهة الكارثة. كما لو أنه يقول إن كل نواب الأحزاب الأخرى مقصرة وغير موجودة على الأرض.
في هذا الجو المتوتر خرجت المعارضة أيضاً لتحذّر من تأجيل الانتخابات الرئاسية والنيابية المقررة إقامتها في 14 أيار(مايو) المقبل أو في 18 حزيران (يونيو) كحد أقصى، معتقدة أن الزلزال سينعكس سلباً على حظوظ أردوغان في الانتخابات وينجح بالتالي مرشح المعارضة.
وحتى الآن يبدو أن تجاذبات داخل “تحالف الجمهور” المؤيد لأردوغان بين من يريد التأجيل ولو لستة أشهر(إلى الخريف) وبين من يرى ذلك مبرراً للمعارضة لاتهام أردوغان بالتهرب من الانتخابات خوفاً من الهزيمة وبالتالي يدعو إلى تحدي المعارضة وإجراء الانتخابات في وقتها.
ويبرز في أحد تداعيات الزلزال أنه فتح كوة في العلاقات بين تركيا وبعض الدول المتخاصمة معها مثل اليونان وأرمينيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك لا يمكن التعويل كثيراً على هذه العلاقات المستجدة لأن حجم المشكلات بينها أكبر من أن يحل في ظروف مستجدة.
لكن من المؤسف أن الزلزال الذي أصاب دولتين جارتين في وقت واحد هما تركيا وسوريا، لم يساهم في فتح أي كوة بينهما ولم نسمع ببرقيات تعزية بين مسؤولي البلدين، ولا التضامن لتبادل بعض المساعدات، خصوصاً في ظل تعرض سوريا لحصار أمريكي جائر من جراء “قانون قيصر”. فيما عملت دول أخرى على إرسال المساعدات إلى سوريا وبكميات كبيرة مثل الإمارات وروسيا وإيران ومصر والسعودية والعراق ولبنان. ويزداد التأسف على واقع حال العلاقات بين تركيا وسوريا أنه كانت هناك قبل الزلزال محاولة للمصالحة بينهما، وكان يفترض أن يكون الزلزال مبرراً لتزخيم هذه المحاولات بينما وجدنا أن العكس يحصل وأن محاولة المصالحة قد تتأجل إلى أجل غير مسمى.
ولا يمكن في هذه العجالة سوى استمطار شآبيب الرحمة على الضحايا والشفاء للجرحى والتعافي والاستقرار لكلا البلدين والشعبين.