بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تفاقمت حدة التصريحات بين الرئيسين الأمريكي والروسي، بالتزامن مع مرور سنة كاملة على العملية الروسية في أوكرانيا. وبينما الصراع في الميدان يراوح مكانه بين كر وفر، إلا أن ثمة تصعيداً سياسياً قد يكون مقدمة لتغيير على الأرض. فالغرب أعد العدة لحرب طويلة المدى، تُهزم فيها روسيا، ورص الصفوف ل”تلقينها” درساً لا يُنسى، كي لا تتجرأ على التوغل نحو القارة الأوروبية كلها في حال تمكنت من هزيمة جارتها؛ لذلك ضخ عشرات مليارات الدولارات ما بين تسليح ودعم اقتصادي، في حين ثمة خطط لتقديم المزيد من الذخائر والصواريخ لكييف، وهو ما أعلنه بايدن خلال زيارته التي استمرت 5 ساعات لها.
الرئيس الأمريكي توجه، بعد عملية تمويه، لكييف في تحدٍ لروسيا، التي قالت في اليوم التالي “إنه لم يكن يجرؤ للذهاب من دون مطالبتنا بضمان سلامته”، وعلى الرغم من إعلام واشنطن لموسكو بالفعل بالزيارة، كي لا تقع حوادث وصدامات، فإن تواجده هناك كان نوعاً من الحرب الدبلوماسية التي تقودها أمريكا، لإسقاط موسكو في الحرب، بينما وجهته التالية كانت وارسو، للاجتماع مع قادة تسع دول أعضاء في حلف “الناتو” القريبة من روسيا، لمناقشة مد كييف بمزيد من الدعم، وبحث سبل التصدي ل”الدب”، خصوصاً أن هذه الدول تعد خط الدفاع الأول للحلف، كما أن الاجتماع في وارسو ربما يحمل رسالة أخرى لروسيا، لما للمدينة من رمزية، خاصة أيام الاتحاد السوفييتي الذي وقّع فيها معاهدة دفاع مشترك بينه وبين سبع جمهوريات اشتراكية أخرى من الكتلة الشرقية في مايو/ أيار من عام 1955 خلال الحرب الباردة.
تصريحات بايدن لم تتضمن أي تلميح لحل سلمي؛ بل توعد روسيا بالهزيمة، إلا أن بوتين كانت له كلمة مضادة، حين قال: إن بلاده لن تُهزم بالميدان، متهماً الغرب بالتصعيد و”إخراج المارد من القمقم”، كما وجه تحذيراً نووياً للغرب، وأعلن تعليق مشاركة بلاده في معاهدة “نيو ستارت” مع الولايات المتحدة، للحد من الأسلحة النووية، وأكد استخدام أنظمة استراتيجية جديدة في المهام القتالية، وإمكانية استئناف التجارب النووية، إذا بدأت واشنطن بذلك.
إلى جانب هذه التجاذبات دخلت الصين، المحسوبة على روسيا، على خط الوساطة بين الدولتين المتحاربتين، على الرغم من الاتهام الأمريكي لها بعزمها مد روسيا بالأسلحة، ونفيها ذلك. غير أن هذا التحرك يشير ربما إلى استشعار بكين لتصعيد كبير لا تحمد عقباه في الأيام المقبلة، في ظل تحفز الأطراف كافة.
التفاعلات في الأيام الأخيرة حملت في طياتها خطراً داهماً، وثمة شبه إجماع بين السياسيين والخبراء على أن هذه الأزمة هي الأشد بعد الحرب العالمية الثانية؛ لذا فإن صب الزيت على النار ليس في مصلحة أحد، فهل يتعقل الغرب ويكف عن استفزاز روسيا ويلجأ إلى حلول وسط يتقاسم من خلالها القطبية التي تتفرد بها أمريكا ومن خلفها أعوانها في أوروبا؟، أم أنه لا مناص من إخماد جذوة الصعود الروسية، على حساب أمن العالم برمته؟