بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- “اشتدي أزمة تنفرجي”، ربما ستكون هذه المقولة مصير التراشق الروسي الأمريكي، وما تضمنه من تعليق موسكو مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة النووية “ستارت 3″، وإصرار واشنطن على إلحاق هزيمة سياسية وعسكرية بروسيا في أوكرانيا، فليس من خيار ثالث أمام المجتمع الدولي إلا أن ينزع فتيل هذا الاحتقان الشديد الذي بات يوهم بأن خطر الصدام الكبير بين أكبر ترسانتين نوويتين بات قريباً جداً.
ما يعزز مشاعر الخوف والقلق والذعر من الآتي، أن منطق الخطابين اللذين تم الإدلاء بهما، في يوم واحد، من كل من فلاديمير بوتين وجو بايدن، يؤشر إلى وضع عالمي صعب، ويوحي بأن القوتين العظميين على وشك الدخول في مواجهة مفتوحة، قد تفضي إلى أسوأ العواقب. وهذا الموقف لا يجب أن يستمر أو يتم التقليل من تهديده، فبعد عام من اندلاع الأزمة الأوكرانية، بلغ التوتر أشده في العلاقات الروسية الأمريكية، وأصبحت تلك الأزمة ميدان حرب عالمية فعلية، يحاول فيها كل طرف كسر الثاني وحرمانه من أية مكاسب.
وبينما يصمم الجانب الروسي على تحقيق أهدافه، وإعلان النصر مهما كان الثمن، يراهن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة على أن يكون مآل حرب أوكرانيا هزيمة مذلة لروسيا. والنتيجة الاستراتيجية للغرب من تحييد موسكو، تتمثل في إبقاء هيمنته على النظام الدولي، وتعزيز دوره كقطب أوحد، تماماً كما كان عليه الحال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من 30 عاماً. وهذا الهدف لا يخفى على صنّاع القرار في موسكو، لأنه طموح غربي معلن منذ سنوات طويلة، ولا يمكن لروسيا أن تسمح به وتتقهقر في أوكرانيا، لأن ذلك سيعني نهاية حتمية لدورها في النظام الدولي. وإزاء هذا المأزق لا بد من حل سريع، يمنع استمرار هذا التدهور، وينقذ العالم من مصير مجهول بات يواجهه على الصعد كافة.
في هذه اللحظة، وبعد عام على الحرب في أوكرانيا، أصبح المعسكر الغربي مرهقاً بفعل الدعم السياسي والعسكري لكييف، ومن جرّاء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب دوله. وبالمقابل يبدي الجانب الروسي صبراً وقدرة على التحمل؛ بل ويوهم في بعض الأحيان أنه يتخبط ويعاني، وتلك واحدة من خدع واستراتيجيات هذه الحرب العجيبة، ولكن كل ذلك لا يعني أن موسكو لم تتضرر مصالحها، ولا تريد أن تنتهي هذه الأزمة.
وفي هذه اللحظة أيضاً، يدخل اللاعب الصيني، الذي يحتفظ بأوراقه ومفاجآته، يراقب الوضع عن كثب، ولا يريد نصراً للغرب أو هزيمة لروسيا، وقد يكون تدخله بمبادرة للسلام بمنزلة ضوء في نهاية النفق. وربما سيكون هذا التحرك مانعاً لتدمير الاستقرار الدولي وضامناً لبقاء هذا التوتر تحت السيطرة، على الرغم من أن الغرب لا يبدي ارتياحه للمبادرة الصينية، وقد يسعى إلى إفشالها بأي طريقة، بدليل الاتهامات المستمرة لبكين بإمداد موسكو بأسلحة فتاكة لاستخدامها في الصراع بأوكرانيا.
الوضع الدولي المأزوم لن يتحمل مزيداً من التراشق والردح، والرهان على التصعيد أشبه بالانتحار، فالغرب لن يستطيع هزيمة روسيا في أوكرانيا، وروسيا بدورها لا تطمح لإقصاء الأقطاب الأخرى. وبين هذا وذاك هناك هوة شاسعة يجب جسرها بالمواقف العقلانية والحكمة وليس بالعناد والتهور.