بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- التاريخ يعيد نفسه، مرات ومرات، لدرجة أنه يمكن ببساطة إعادة نشر مقالة قديمة بمناسبة معينة، وكأنها كتبت تلك الليلة، إلا أن عام 2022 كان فريداً وتاريخياً في تاريخ أسواق الطاقة عامة، وأسواق #النفط والغاز بخاصة، ولأسباب عدة ذكرت في مقالة سابقة.
وقبل الخوض في التفاصيل لا بد من التأكيد على أن العالم يحتاج إلى كل مصادر #الطاقة، بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية، ويحتاج إلى كل أنواع التقنية لزيادة الكفاءة في استخدام الطاقة، وكل أنواع التقنية في #قطاع_المواصلات، بما في ذلك #السيارات_الكهربائية والغازية والهيدروجينية.
المشكلة الأساسية التي يعاني منها العالم هي أن السياسيين يختارون مصادر الطاقة التي يريدون ويجبرون الناس عليها، على رغم عدم توافقها مع رغبة الناس أو قوى السوق، لهذا لجأوا إلى قوة القانون أو الإعانات لتنفيذ خططهم، كما قامت وسائل الإعلام التابعة لهم بالترويج لهذه السياسات والمبالغة في كثير من الأحيان، بعبارة أخرى، كاتب هذه المقالة مع كل ما سبق، ولكن ضد السياسات التي تتعارض مع قوى السوق، وضد المبالغات السياسية والإعلامية.
وإضافة إلى المقالة السابقة التي تحدثت عن الأسباب التي جعلت عام 2022 تاريخياً، هناك ثلاثة مستجدات رئيسة مذكورة أدناه.
1- وصول الطلب على النفط إلى أعلى مستوى له تاريخياً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفقاً لمنتدى الطاقة العالمي وبيانات وكالة الطاقة الدولية وغيرها، واستمرار النمو في الطلب على النفط في 2023 إلى مستويات قياسية جديدة وفقاً لوكالة الطاقة الدولية و”أوبك”، وعدد من بيوت الخبرة والاستشارات، وهذا يعني ثبوت خطأ توقعات وصول الطلب إلى ذروته في عام 2019، بما فيها توقعات شركة النفط البريطانية “بي بي”. المشكلة أن هذه الشركات الدولية الكبيرة أثبتت أنها تتبنى أجندة معينة في توقعاتها، إذ إنها غيرت توقعاتها لبلوغ الطلب على النفط ذروته من 2050 إلى 2035 إلى 2019، خلال أربع سنوات! لا شك أن صناع القرار في الدول النفطية قلقون بسبب هذه الفكرة، ولكن الحقيقة أن توقعات المنظمات العالمية تعكس رغبات حكومات الدول الأعضاء فيها، ولا تعكس توقعات مستقلة على الإطلاق.
إذا نظرنا إلى وضع الأسواق العالمية باستقلالية تامة، نجد أن أكبر سببين لانخفاض الطلب على النفط مستقبلاً، حسب المنظمات العالمية، هما تحسن كفاءة محركات البنزين والديزل من جهة، والتوسع في حصة السيارات الكهربائية من جهة أخرى، وتحسن كفاءة المحركات بالشكل المذكور هو رغبة حكومية ولا تدعمه الاتجاهات التاريخية ولا التقنية الحالية، كما أن هناك تناقضات عدة في هذا التوقع، إذا تحقق التحسن المتوقع في محركات سيارات البنزين والديزل فلسنا بحاجة لسيارات كهربائية على الإطلاق، لأن سيارات البنزين والديزل ستكون أقل تكلفة وأنظف بيئياً من السيارات الكهربائية!
من ناحية أخرى، هناك مبالغات كبيرة في “أثر” انتشار السيارات الكهربائية، حتى لو أخذنا أكثر التوقعات مصداقية وارتفاع عدد السيارات الكهربائية بمئات الملايين خلال الـ 23 سنة المقبلة، فإن أثر السيارات الكهربائية يتمثل في انخفاض نمو الطلب على النفط وليس في انخفاض الطلب على النفط، وتشير البيانات من النرويج، وهي البلد التي تمثل فيه نسبة السيارات الكهربائية من إجمالي السيارات أعلى نسبة في العالم، أن انخفاض الطلب على الوقود أقل بشكل ملحوظ من الزيادة في نسبة السيارات الكهربائية، لماذا؟
2- بلغ معدل نمو إعانات الوقود في العالم عام 2022 أعلى مستوى له تاريخياً… وجاءت أغلب هذه الإعانات من الدول الأوروبية التي كانت تصول حكوماتها وتجول في المحافل الدولية لمحاربة هذه الإعانات، وبعضها لم يسجل كإعانات، وإنما كحزم تحفيزية للاقتصاد، وكانت منصة الطاقة المتخصصة قد نشرت تقريراً نقلاً عن وكالة الطاقة الدولية قالت فيه “ارتفع الدعم العالمي لاستهلاك الوقود الأحفوري إلى 1.097 تريليون دولار، وهي أكبر قيمة سنوية على الإطلاق، متجاوزاً الرقم القياسي السابق المسجل عام 2012، عند 752 مليار دولار”. واستطردت “في عام 2022، زادت إعانات استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء بأكثر من الضعف مقارنة مع عام 2021، في حين ارتفع دعم النفط بنحو 85 في المئة”، وذكرت “بلغ الدعم الحكومي لاستهلاك الكهرباء والغاز نحو 399 ملياراً و346 مليار دولار على التوالي عام 2022، في حين بلغت إعانات النفط والفحم 343 ملياراً وتسعة مليارات دولار، على الترتيب”.
3- بلغ معدل النمو في الإنفاق الاستثماري على الاستكشاف والتنقيب والإنتاج في مجالي النفط والغاز أعلى مستوى له تاريخياً، وبلغ الإنفاق في 2022 أعلى مستوى له منذ عام 2014، وذلك وفقاً لتقرير مشترك بين منتدى الطاقة الدولي وشركة “أس أند بي غلوبل”. هذه الزيادة التي كانت مفاجئة لكثير من المحللين تكشف عن استثمارات الشركات الأميركية والكندية من جهة، وتراجع شركات النفط العالمية عن خططها التي تقضي بتخفيض الاستثمارات في هذا المجال، بخاصة شركة النفط البريطانية من جهة أخرى.
ويشير التقرير إلى ارتفاع الإنفاق الاستثماري في عمليات الاستكشاف والحفر والإنتاج، أو ما يسمى في الصناعة بعمليات “المنبع”، بنسبة 39 في المئة ليصل إلى 499 مليار دولار، وهو الأعلى منذ عام 2014، وجاءت نسبة كبيرة منها في الولايات المتحدة وكندا حيث ارتفع الاستثمار بنسبة 53 في المئة عام 2022 مقارنة مع العام الذي سبقه.
لا شك أن التضخم لعب دوراً في هذا الارتفاع بسبب ارتفاع التكاليف، إلا أن بيانات التقرير تشير إلى أن نحو 50 في المئة من الزيادة كان سببه التضخم، بينما الجزء الآخر كان زيادة حقيقية في الاستثمار.
ولا أبالغ عندما أقول إن ما ذكر أعلاه من تطورات سيزعج متطرفي التغير المناخي، بخاصة الأمين العام للأمم المتحدة، المعروف بتطرفه ضد صناعة النفط، والذي يستخدمه في الطائرة التي يستقلها في رحلاته العالمية! سيستمر الطلب العالمي على النفط بالنمو، ولكن بمعدلات أقل من ذي قبل، ولن يصل الطلب العالمي إلى ذروته خلال 27 سنة القادمة.