الرئيسية / الرئيسية / الدّولة ليست كائناً غرائزياً!

الدّولة ليست كائناً غرائزياً!

بقلم: حسن المصطفى – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم– هناك صورة غير مكتملة في المخيال العربي لمفهوم “الدولة الوطنية الحديثة”، أحد أسبابها الرئيسة ضعف الثقافة العامة حول “الدولة” من جهة، والنماذج السلبية التي قدمتها بعض الدول، وتحديداً الجمهوريات التي حدثت فيها الانقلابات العسكرية، أو تلك التي مارست حكماً قاسياً مثل الأنظمة البعثية، من جهة أخرى!

سبب آخر يعود إلى التغذية الإسلاموية التي تمت تعبئة المتلقين بها على مدى عقود، والتي ترى أن الحدود بين الدول هي خطوط وهمية من صنع الاستعمار، وهو خطاب كان سائداً لدى العروبيين والقوميين العرب؛ إلا أن الإسلامويين أضافوا له فكرة تم ربطها بالدين، وهي “الخلافة”، بوصفها امتداداً لمفهوم “الأمة”، التي هي في نظرهم “الأمة الإسلامية”، وفي نظر القوميين “الأمة العربية”!

إشكالية مفهوم “الأمة” أنه يلغي الولاء الطبيعي والفطري لـ”الوطن الأم”، أي يجعل التفكير متعلقاً أكثر بكيف أربط هذه الأرض بالأرض الأكبر، بغية إيصال ما انقطع من أجزاء، لذا فالمهمة الأساس هي العمل من أجل “الأمة” وليس “الوطن”!

الأدبيات التي كان الإسلامويون يروّجون لها، كانت تصف “الوطن” بـ”الوثن”! فيما هذا الخطاب كان واضحَ الخللِ والمخاتلةِ، إلا أن ربطه بـ”الخلافة الراشدة” وعودتها، والحمية الدينية، جعل له تأثيراً لا شعورياً وشعبوياً وحتى لدى النخب، لم يكن بمقدور الكثيرين الوقوف في وجهه.

من هنا، تم ربط الكثير من الصفات السلبية بـ”الوطن”، والذي يتمثل في “الدولة الوطنية الحديثة” والتي هي عبارة عن: الأرض، المؤسسة السياسية الحاكمة، الشعب. وتم اعتبار هذه الدولة وكأنها دولة “المستعمر”، وفي أحسن الأحوال نموذجاً متأثراً بالسياق الغربي. لذا، وفق وجهة نظرهم، ينبغي تقويم اعوجاجها.

هذه النقدانية السلبية تجاه “الدولة”، صيّرتها في المخيال الشعبي المتأثر بالخطاب الراديكالي، وكأنها كائن “غريزي”، له عواطف تتحكم في تصرفاته، وتسيّر خطواته، وتدفعه نحو اتخاذ إجراءات صارمة ضد المواطنين، فيما الدولة ليست كائناً عاطفياً، وليست أداة تحركها المشاعر وردود الفعل، بل كيانٌ مدنيٌ مؤسساتي، قائم على إدارة الشأن العام، وحفظ الأمن والنظام، وتحقيق مصالح المواطنين، والدفع نحو التنمية والرفاهية والاستقرار.

حتى عندما يكون هنالك فرد أو جماعة ما من المواطنين، ويقومون بأعمال تخالف النظام العام، فإن مؤسسات الدولة عندما تتخذ تجاههم إجراء عملياً، فإنه يتم وفق القوانين، وعبر القنوات المختصة، لأنها تريد تحقيق مبدأ “العدالة” و”سيادة القانون”، فهذه المؤسسات ليست في عداء شخصي مع هذا الفرد أو تلك الجماعة، بل واجب الدولة أن تحفظ المجال العام من العابثين، والسلم الأهلي من الممارسات المضرة.

ليست هناك دولة في العالم تعتني بشعبها، وتدارُ مؤسساتها بالقانون، يستفيق المسؤولون فيها، فيقررون فجأة ومن دون سبب أن يُتخذ إجراء ما ضد فرد هنا أو هناك، أو جماعة محددة، من دون أن يكون هنالك أمرٌ جادٌ يدعو لذلك. لأن أي جهاز حكومي مهني، قبل اتخاذ أي خطوة، فهو يدرس أسبابها، ومعطياتها، وما ستقود إليه، وعلى أساس ذلك يتخذ الخطوة التالية.

الدولة تتصرف وفق ما يحفظ هيبة كيانها وتماسكه وسلامته واستقراره، لأن “الهيبة” مرتبطة بمفهوم “الدولة”، على عكس مفهوم “الكرامة” الذي يرتبط بـ”العاطفة” أكثر منها بأي أمر آخر.

ما تقدم يدفع نحو ضرورة أن تكون هناك ثقافة عامة ترسخ بين الجيل الجديد مفهوم “الدولة الوطنية الحديثة”، وتتجاوز الأنساق القديمة التي شوّهت مفهوم “الدولة”، وهي أنساق كثير منها له غاياته السياسية والحزبية التي تروم أن تُشكلَ الناس وفق أجندتها الخاصة أو رؤيتها الذاتية. لذا فوجود تصور حديث ومحدد عربياً لـ”الدولة” يتقاطع مع الرؤى التي قدمها عدد من الفلاسفة الأوروبيين، أمرٌ في غايةِ الجدة.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …