بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- باستثناء أوكرانيا والعلاقات الأمريكية – الصينية، لن تكون ثمة مساحة، لأي قضية أخرى في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي بدأ أعماله يوم الجمعة الماضي.
في عام 2007 ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه الشهير أمام المؤتمر محذراً من التداعيات الجيوسياسية لتمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو الحدود الروسية. وفي 17 شباط (فبراير) 2023، لا وجود لروسيا في المؤتمر، وكل الأنظار تركزت على خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ذروة الصراع الدائر في بلاده أو بالأحرى الصراع الدائر على بلاده.
زيلينسكي كعادته كلما أتيحت له إطلالة على أي منبر دولي، يطالب أول ما يطالب به، أسلحة نوعية لكسر التوازن مع روسيا في الحرب. القادة الغربيون وأبرزهم المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهدا تكثيف الدعم العسكري لكييف حتى تتمكن من الانتصار في الحرب.
ماكرون الذي كان يؤخذ عليه استمراره في التواصل هاتفياً مع بوتين في الأشهر التي تلت اندلاع الحرب، انقلب على نفسه أمام المؤتمر، معلناً أن “الوقت ليس للحوار” مع روسيا. ودعا الدول الأوروبية للانتقال إلى الاقتصاد العسكري قريباً. وشولتس هدد بوتين بأن عليه أن يعلم أنه لن ينتصر في هذه الحرب.
ما تجدر الإشارة إليه، هو أن السرديات الغربية كانت دوماً تركز على خطاب بوتين أمام المؤتمر عام 2007، كي تثبت أن الطموحات الإمبريالية متأصلة منذ زمن بعيد في ذهنية بوتين، وأنه كان يعد العدّة للحرب عندما تسنح له الفرصة.
بالعودة إلى الوراء قليلاً، وإمعاناً في استفزاز روسيا، عمدت قمة حلف شمال الأطلسي في عام 2008 أي في العام التالي لخطاب بوتين أمام مؤتمر ميونيخ إلى توجيه الدعوة لأوكرانيا وجورجيا للإنضمام إلى الحلف. ووقتذاك، أبدت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي تحفظهما على هذه الدعوة التي كان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش متحمساً لها بدعم من جمهوريات البلطيق وبولندا.
ويخفي الحماس الأميركي لتوسيع الأطلسي ليضم دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين على رغم التعهدات الأميركية التي أعطيت للزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في مقابل موافقته على توحيد ألمانيا، يخفي نزعة إلى اعتبار أن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي هي دولة ضعيفة ولن تتمكن من الدخول في مواجهة مع الحلف الغربي، وكان ذلك بمثابة إصرار على أن نهاية التاريخ قد كتبت وانتهى الأمر، كما قال فرنسيس فوكوياما، بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الجدار.
مسؤولون أميركيون كثيرون أيضاً كانوا ضد تمدد حلف الأطلسي شرقاً وبالتحديد ضم أوكرانيا أو جورجيا، باعتبار أن ذلك سيشكل استفزاراً لا يمكن موسكو أن تسكت إزاءه. وعلى مدى عام كامل سبق نشوب الحرب، سعت روسيا إلى الحصول على تعهد خطي من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بعدم ضم أوكرانيا إلى الحلف، كي تمتنع روسيا عن شن أي عمل عسكري ضد كييف.
ربما لم يتوقع القادة الغربيون أن بوتين سيغزو أوكرانيا إذا لم يحصل على الضمانات الغربية بعدم ضم هذه الدولة إلى “الأطلسي”، واعتبروا الحشود الروسية على الحدود مجرد مناورة لحمل الغرب على التسليم بحياد أوكرانيا.
اليوم يحل الدمار بأوكرانيا وتستنزف روسيا أيضاً ويدفع الغرب أثماناً باهظة أيضاً بأشكال مختلفة، ويقف العالم على مسافة خطوة من حرب عالمية ثالثة قد تسقط الحُرم على استخدام الأسلحة النووية. كل ذلك يحصل ليس فقط لأن روسيا ترفض التنازل عن أحلامها الإمبراطورية، بل أيضاً لأن الغرب لا يتنازل أيضاً عن أحلامه التوسعية ويصر على نظرية “نهاية التاريخ”.
الحرب الآن في ذروتها ومؤتمر ميونيخ كله مكرّس لكيفية مواجهة روسيا وإلحاق الهزيمة بها وضم أوكرانيا إلى “الأطلسي” والاتحاد الأوروبي. والحرب الطاحنة التي يمكن أن تتوسع في أي لحظة عند أي خطأ بالمصادفة أو بطريقة غير مقصودة، تهدد بتفجير عالمي واسع.
هذا يدل على أن المصالح هي سيدة القرارات في الدول العظمى، ودائماً على حساب الدول الأقل شأناً.