بقلم: رفيق خوري – ادبندنت عربية
الشرق اليوم- “تكرار الكوارث معلم”، يقول المثل الأمريكي. لكن التعلم منها ليس سهلاً على الأنظمة السلطوية. عام 1999 وقع زلزال عنيف في #تركيا. كان #رجب_طيب_أردوغان في المراحل الأولى من تأسيس حزب #الحرية_ والعدالة، فوجد في الزلزال منصة يوظفها سياسياً في الهجوم على السلطة. ركز هجومه السياسي من خلال أمرين: أولهما ضعف الاستعداد لمواجهة الزلزال وما بعده. وثانيهما الفشل في إدارة الكارثة بعد وقوعها، بحيث دفع كثيرون حياتهم ثمن البطء في الإنقاذ، والنقص في المعدات والمستشفيات وأماكن الإيواء. وهذا ما قاده إلى ربح الانتخابات عام 2002، وتسلم السلطة والاستمرار فيها إلى اليوم والترشح للرئاسة مجدداً.
لكن أردوغان ارتكب الأخطاء نفسها، كما كشف عنه زلزال تركيا وسوريا عام 2023. لا بل زاد عليها. فهو أضعف دور #الهلال_الأحمر عبر ربطه بإدارة الكوارث المرتبكة، وأبعد الجيش عن دوره الإنقاذي التقليدي قبل العودة للاستعانة الجزئية به، والأخطر أنه مارس سياسة توحيد السلطة وربطها بشخصه وشرذمة الدولة ومؤسساتها.
ولم يكن معلق صحيفة “قرار” يتجنى عليه حين كتب: “إن ما جعل الزلزال قاتلاً ليس القدر بل خيارات السلطة”. وبالطبع كان التوظيف السياسي للزلزال سلاح الجانبين: أردوغان والمعارضة، ولا أحد صدق قول وزير الداخلية سليمان صويلو: “ليس هذا وقت السياسة”. فلا شيء خارج السياسة. أردوغان حاول استخدام الصورة والإيحاء أن سياسته ناجحة بدليل العدد الكبير من الدول التي أرسلت المساعدات وفرق الإنقاذ وقادة الدول الذين تحدثوا معه هاتفياً.
والمعارضون ركزوا على تقصير السلطة والغش في مواد البناء الذي قامت به الشركات الكبرى التي يمتلكها أصدقاء أردوغان، وقرار إغلاق الجامعات، وإسكان الذين صاروا بلا مأوى في غرف الطلبة الجامعيين الذين يبلغ عددهم 700 ألف من أصل ثمانية ملايين طالب جامعي حرموا من حضور الدروس. شيء من “تهدم الدولة على رأس الأمة التركية” كما كتب إبراهيم كيراس في “قرار”.
خلال جائحة كورونا كتب المؤرخ نيال فيرغوسون مقالة تحت عنوان “أقدار مشؤومة” قال فيه “مركزة السلطة في الصين أثبتت قدرة فائقة على إدارة الوباء بأفضل من قدرة الديمقراطيات”. لكن النموذج التركي من مركزة السلطة في يد واحدة أعطى نتائج مختلفة. كذلك النموذج السوري، سواء بالنسبة إلى النظام أو بالنسبة إلى الفصائل المسلحة مثل “هيئة تحرير الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية” و”الائتلاف الوطني” المعارض وحكومته الموفقة. وهي جميعاً يتحكم بكل منها شخص واحد.
صحيح إن الدول التي تقاطع النظام السوري أصرت على سياسة المقاطعة، وقدمت بعض المساعدات للمجتمع. وصحيح أيضاً أن النظام حرص في الأيام الأولى على توظيف الزلزال في دفع الدول المقاطعة له إلى التطبيع معه، وأن تمر المساعدات عبر دمشق، ولم يوافق على فتح ممرين إضافيين بين تركيا وسوريا إلا بعدما تدخل مجلس الأمن.
لكن الصحيح أيضاً أن النظام استمر في سياسته بدعم من إيران وروسيا، فكانت جهوده في أمكنة محددة وبإمكانات محدودة. والحرب لم تتوقف. والفصائل المسلحة عاندت طويلاً في رفض عبور المساعدات إلى مناطق سواها. فضلاً عن أن السوريين يعانون عملياً كارثتين ضخمتين. كارثة الحرب التي دمرت وهجرت نصف السكان ووضعت 90 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، وكارثة الزلزال التي كانت المساعدات وفرق الإنقاذ لمواجهتها محدودة ومتأخرة.
لكن نقطة الضوء في هذا السواد جاءت من المجتمع. السوريون القادرون في تركيا تنادوا وأسسوا جمعيات لمساعدة اللاجئين السوريين الذين أهملتهم السلطة التركية معطية الأولوية لشعبها. والتضامن الإنساني بين فئات المجتمع السوري فعل فعله في مساعدة المحتاجين داخل البلد.
ولا شيء يبقى بعد الزلزال كما كان، ولو أعيد البناء. فلا أحد يستطيع مثلاً إعادة أنطاكيا التاريخية إلى ما كانت عليه وما كان فيها من أبنية تراثية. والناس تتغير بقوة المآسي والكوارث. لكن الأنظمة السلطوية لا تتغير. وتلك هي المشكلة.