بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ما إن وقع الزلزال في السادس من الشهر الجاري، وقبل أن تتضح معالمه التدميرية، استنفر السوريون الموزعون في كل بقاع الأرض، للسؤال عن أقارب وأصدقاء لهم، سواء في المدن التركية المتضررة أو في المدن السورية التي طالها أحد أقوى الزلازل في تاريخها المعاصر، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصّات للبحث عن العائلات والأفراد المنكوبين، خصوصاً أن الأوضاع السياسية والميدانية التي عرفها السوريون بعد عام 2011، جعلت من مئات الآلاف من العائلات تعيش موزعة في بلدان كثيرة. ففي تركيا وحدها هناك أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، يعيش أغلبيتهم في المدن التركية المتاخمة للحدود مع بلدهم.
السوريون اللاجئون في تركيا، يمثّل معظمهم الشريحة الأكثر فقراً بين السوريين الذين فروا من الحرب، فمنذ عام 2013، بدأت موجات لجوء من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكانت الموجة الأكبر في عام 2015، حيث غادر تركيا عشرات الألوف من السوريين، مشياً على الأقدام باتجاه اليونان، ومنها نحو البلدان الأوروبية، وبعد ذلك أصبحت عمليات اللجوء غير الشرعية، تتم عبر شبكات تهريب البشر، حيث يدفع قاصدو اللجوء مبالغ مالية كبيرة، للهروب من الجحيم السوري، وغالباً فإن تلك المبالغ المقدّرة بآلاف الدولارات، هي آخر المدّخرات المالية لديهم.
أغلبية السوريين الذين لم يغادروا تركيا نحو أوروبا، اتّخذوا من المدن التركية، مثل غازي عنتاب، وأنطاكية، وكهرمان مرعش، وكلّس، وغيرها، مكاناً لإقامتهم، لأسباب اقتصادية واجتماعية. فعلى مستوى أجور السكن، فإن هذه المدن أرخص بكثير من المدن الكبرى، وتحديداً إسطنبول وأنقرة، كما أنها ذات طابع محافظ إلى حدّ بعيد على المستوى الاجتماعي، فضلاً عن قربها من مدنهم التي غادروها في الشمال السوري، ما يبقيهم على اتصال مع أهاليهم وأقاربهم، مع أمل في العودة القريبة إلى ديارهم.
لم تكن حياة هؤلاء سهلة في رحلة اللجوء التركية، فثقافة الترحيب التي شاعت لسنوات، سرعان مع بدأت بالانهيار، بعد الانقلاب التركي الفاشل في يوليو/تموز 2016، فقد أصبح اللاجئون وبشكل متزايد مادة للصراع السياسي والإعلامي بين الأحزاب التركية، ثم أسهمت الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتراجع قيمة الليرة التركية، وجائحة كورونا، والتضخم الحالي، في إلقاء المزيد من اللوم على اللاجئين السوريين، وثقافة الترحيب المضرّة بالاقتصاد التركي، بغضّ النظر عن الحقائق الموضوعية لهذا الأمر.
أما النزوح الداخلي فقد جعل من مدن شمال غربي سوريا، تجمّعاً بشرياً يتّصف بالكثافة، حيث يوجد أكثر من أربعة ملايين نازح، يعيش قسم كبير منهم في مخيّمات، بنتها مؤسّسات دولية، ودول إقليمية، أو في أبنية لا تمتلك مقوّمات هندسية مدروسة، وتستوعب أكثر من طاقتها، وخلال السنوات الماضية، عانى سكّان المخيّمات أوضاعاً مناخية قاسية في الشتاء، حيث لا تتوافر أدنى مقومات الحماية، إضافة إلى أن الموارد الرئيسية للسكّان تأتي من برنامج الدعم الأممي الخاص بسوريا، على شكل سلل غذائية، أو برامج دعم صحي وتعليمي.
في عموم سوريا، وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى وضع كارثي، فخلال السنوات السابقة، تقلّص حجم الإنتاج المحلي إلى وضع غير مسبوق تاريخياً، وخسرت العملة الوطنية نحو 140 ضعفاً من قيمتها قبل 2011، وتراجع متوسط دخل الموظف الحكومي إلى نحو 30 دولاراً. وبحسب الأمم المتحدة، فإن 90% من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر.
مع مرور كل ساعة إضافية، تتضح أكثر الآثار التدميرية للزلزال، خصوصاً في جانب الخسائر البشرية التي لا تقتصر على المواطنين داخل سوريا؛ بل تشمل السوريين في المدن المتاخمة للحدود السورية، حيث تبدو الكارثة أكبر بكثير من القدرة على الاستجابة لها بشكل سريع وكافٍ، وهذه الاستجابة أبطأ بكثير في الشمال السوري، حيث أبطأت السياسات والقرارات حول سوريا عمليات الإنقاذ التي ازدادت صعوبة، بسبب الأحوال الجوية السيئة، كما أن أعداداً كبيرة من السوريين، فقدوا منازلهم، أو أن ما تبقى منها لا يصلح للسكن، خوفاً من هزّات ارتدادية، قد تُجهز على الأبنية المتصدّعة.
وكما هي العادة في الكوارث الطبيعية الكبرى، فإن الآثار التدميرية النهائية، لا يمكن معرفتها إلا بعد انقضاء عدة أسابيع، وربما أكثر، ولهذا فإن حجم الخسائر البشرية النهائية في تركيا وسوريا، ستبقى تقديرية، والصورة الراهنة تشير إلى أرقام مرعبة في عدد الضحايا والمفقودين والمشرّدين أو المتضررين.
لا تبدو النكبة السورية في طريقها للتوقّف، فما لم تُجهز عليه الصراعات العسكرية والسياسية أتى الزلزال ليكمل عليه، وكأن هذا ما كان ينقص سوريا ليضاعف آلامها!.