بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بين الإنساني والسياسي تبدت مفارقات فادحة بعد الزلزال المروّع، الذي ضرب مناطق شاسعة في تركيا وسوريا، وأعلنت تحديات وجودية عن نفسها مجدداً
نالت ضربات الزلزال بقسوة من المنطقة الحدودية الشاسعة بين الجنوب التركي والشمال الغربي السوري، التي شهدت على مدى اثني عشر عاماً صراعات واحترابات على المصير، كأننا أمام رسالة مختلفة من نفس المكان.
استبقت الزلزال احتمالات عملية عسكرية تركية في الشمال السوري بذريعة حماية أمنها القومي من تهديدات الجماعات الكردية المسلحة وتناقضت المواقف بين دمشق وأنقرة.
أزمات أخرى أخطر وأفدح لم تخفت في ذاكرة المكان. في المشاهد الأولى من الأزمة السورية اكتسبت مدينة «غازي عنتاب»، المدينة التركية الأكثر تضرراً من الزلزال، دوراً جوهرياً في تجميع من أطلق عليهم «المجاهدون» بمعسكرات قبل تمريرهم إلى الداخل السوري.
الصور الآن اختلفت، لكن المرارات عالقة تبحث عمن يخفف وطأتها.
على الجانب التركي من الحدود تعالت دعوات من منظمات إنسانية لفتح الممرات لإدخال المساعدات والإغاثات وأدوات إنقاذ آلاف الضحايا السوريين العالقين تحت الأنقاض.
رغم النداءات الدولية المتواترة بعدم تسييس مأساة الزلزال، إلا أن التباطؤ الدولي كان ملحوظاً في مدّ يد العون، لا أُدخلت أدوات قادرة على رفع الأنقاض وإنقاذ أسر بأكملها من الموت المحقق، ولا وصلت الإعانات الضرورية في وقتها المناسب.
الفكرة الرئيسية في الإغاثة الإنسانية أن تصل في وقتها، أو ألا تتأخر كثيراً عن موعدها.
الاختبار الأخلاقي حاسم في مثل هذه الظروف:
* سياسياً: لم تتردد دولة واحدة في العالم عن إبداء تضامنها الإنساني مع تركيا وسوريا وإبداء رغبتها للمساعدة في غوث الضحايا.
* واقعياً: لم تحظ سوريا بذات سرعة وصول المساعدات والإغاثات الضرورية، ولا اتسقت الوعود العامة مع الأفعال في الميدان. كان ذلك داعياً لنداءات استغاثة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، فالوقت يمضي، وأعداد الضحايا تتزايد.
في تبرير تأخر وصول المساعدات للضحايا السوريين قيل إنه لا توجد آليات تسهل المهمة الإنسانية العاجلة، كما لا تتوافر سلطة موحدة تحكم قبضتها على كل أراضيها، والمشاكل اللوجستية تحول دون وصول المساعدات بيسر. كانت تلك نصف الحقيقة..
فعلاً: المناطق السورية المنكوبة تتوزع السيطرة عليها بين ثلاثة أطراف متنافرة:
أولها- يخضع للمركز في دمشق، وثانيها- تحت سيطرة مجموعات مسلحة متشددة تحظى بحماية تركية، وثالثها- تتبع لهيمنة الجماعات المسلحة الكردية.
النصف الآخر من الحقيقة أن التباطؤ في إيصال المساعدات، كان استطراداً ليس معلناً للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
كان التسييس حاضراً في الملف الإنساني، رغم النداءات الدولية المتواترة بسرعة إدخال المساعدات والآلات الضرورية لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
حين ضج الضمير الإنساني بدأت تتحرك الأمور بعض الشيء، لكن بمستوى أقل مما يتطلبه الوضع المأساوي في ظل صقيع لا يحتمل.
في المحنة السورية كشف شعبها عن قوة إرادة الحياة عنده، رغم قسوة ظروفه. نهض للمساعدة في إنقاذ الضحايا، لكنه يحتاج إلى ما هو أكثر.
يحتاج إنسانياً أن يقف معه العالم العربي، أن ينظم حملات دعم وإسناد بما يحتاج إليه من ضرورات حياتية، أن يرفع الحصار عنه قبل أن يطالب الغرب بإنهاء العقوبات الاقتصادية.
ويحتاج سياسياً إلى البحث الجدي في سبل إنهاء عزلة سوريا وعودتها إلى عالمها العربي مجدداً لاعباً رئيسياً حاضراً في قضاياه.
قبل الزلزال أعلن رسمياً عن أن هناك لقاءً محتملاً بين الرئيسين السوري «بشار الأسد» والتركي «رجب طيب أردوغان».
المأساة المشتركة قد تساعد على دفع فرص المصالحة، أو خفض مستوى الأزمة بأقل تقدير، بحثاً عن تسوية سياسية يصوغ مقوماتها الدستورية السوريون وحدهم.
بالنسبة لدولة كمصر فإن من مصلحتها الاستراتيجية أن تتداخل بقدر ما هو ممكن في دفع مشروع المصالحة إلى أبعد نقطة متصورة.
بحقائق الجغرافيا السياسية سوريا مسألة أمن قومي لمصر قبل غيرها. لم تكن مصادفة أن سوريا- بالذات- هي البلد التي احتضنت الفكرة العروبية الحديثة قبل غيرها. كما لم تكن بلاغة تعبير أن توصف ب«قلب العروبة النابض». بحكم موضعها في المشرق العربي فهي عاصمته الطبيعية.
وبحكم اتصال الأمن القومي المصري بها فهي توأمته. وبحكم امتداد ساحلها على البحر المتوسط فهي مركز استراتيجي.
سوريا قضية مصير، هكذا بالضبط.. التضامن مع شعبها في محنة الزلزال ليس فضلاً أو منّة، إننا نتضامن مع أنفسنا.
التحدي الأهم الذي يطرح نفسه الآن علينا: إنهاء عزلة سوريا.