بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- قال وزير الدفاع الألماني إنّ «العالم سيكون أفضل من دون بوتين»، وهذه العبارة سبق وأن أطلقتها الولايات المتحدة على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حين كانوا يروجون لحرب احتلال العراق بأنّ «العالم سيكون أفضل من دون صدام حسين»، ومثل هذه العبارة كانت تروّج في أتون الحرب الأمريكية على أفغانستان حين ترددت العبارة الشهيرة بأن «العالم سيكون أفضل من دون أسامة بن لادن»، ولكن هل أصبح العالم أفضل؟ وهل صار بوتين في نظر الغرب رئيساً مارقاً أو حتى شخصية إرهابية؟ ولماذا تكفل وزير الدفاع الألماني بترديد العبارة الشهيرة بدل أن تصرح بها واشنطن؟
يبدو واضحاً أنّ الغرب بدأ يستخدم ذات السيناريوهات التي تم استخدامها في الحرب على العراق وعلى سوريا حين يلعب ورقة الفصل بين الرئيس «الدكتاتور» وبين الشعب.
فالغرب يريد الآن الفصل بين نظام بوتين «الإرهابي» وبين الشعب الروسي المسالم و«المختطف» والذي يزج به في حرب ظالمة على أوكرانيا. هذه هي السيناريوهات الإعلامية التي ستشتغل عليها السياسة الغربية في المستقبل، في محاولة تبدو في نظرنا يائسة للتشكيك في شرعية الرئيس بوتين، ومحاولة دقّ إسفين في العلاقة مع شعبه. وروسيا نفسها تبدو متأهبة لهذا السيناريو، وهي تدرك أن الحرب لا تدار على أرض أوكرانيا فقط بل في كلّ الأجواء والمجالات الحيوية، لذلك سلمت روسيا السفارة الأمريكية في موسكو مذكرة «تطالبها بوقف التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا» حسب ما نشرته وكالة الإعلام الروسية. فيما أعلنت «تاس» عن أنه «سيتم طرد دبلوماسيين أمريكيين شاركوا في«أعمال تخريبية» في روسيا.
ولكن لماذا تتصدر ألمانيا هذه المرّة الموجة المعادية لروسيا؟ وهل ترغب في سحب البساط من بريطانيا التي كان رئيس حكومتها يهدد بحرب مفتوحة مع روسيا ولكنه سرعان ما سقط على وقع الاحتجاجات الاجتماعية على التضخم وشح المواد الطاقية؟
يبدو لافتاً أنّ الولايات المتحدة نجحت في تقسيم الأوروبيين ودفعهم للتسابق في إظهار الولاء لها عبر الاندفاع للانخراط في حرب مباشرة مع الروس. فإذا كان وزير الدفاع الألماني يرى أن العالم سيكون أفضل من دون بوتين، فإنّ رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان البريطاني، توبياس إلوود، قال إن بريطانيا، المتورطة بالفعل في الصراع في أوكرانيا، يجب أن تواجه روسيا «وجهاً لوجه». وشدد «علينا أن نلتقي مع روسيا وجهاً لوجه، وألا نترك لأوكرانيا كل العمل».
هذا الحماس الألماني البريطاني للمواجهة مع روسيا، ينذر بأن الحرب قد تأخذ مسارات غير محمودة، خاصة أن تاريخ صراع هذه الدول في ما بينها هو صراع مدمر وتخريبي إلى الحدود القصوى، وهنا يمكن أن نتساءل لماذا تفرط ألمانيا في نهجها الذي سارت عليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وعملت فيه على تحييد ألمانيا عن النزاعات العسكرية؟
الحقيقة أن الولايات المتحدة نجحت إلى حد كبير في تصفية إرث ميركل وبسرعة قياسية، فصارت ألمانيا قاطرة حرب بعد أن كانت في عهد المستشارة قاطرة سلام واستقرار أوروبي، والحقيقة أيضاً أن الولايات المتحدة قد نجحت قبل ذلك في ضمّ بريطانيا إليها وإضعاف الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يفسر جزءاً من التنافس الألماني البريطاني على توسيع رقعة الحرب، وحسم المعركة مع بوتين.
البريطانيون ومنذ الوهلة الأولى كانوا يندفعون وبشراسة نحو مهاجمة روسيا رداً على هجومها على أوكرانيا، وهذا المطلب تم طرحه منذ 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، ولكن البريطانيين المندفعين لا يدركون مخاطر توسيع الحرب، فالسلاح النووي الروسي يحاصرهم من كل الجهات، كما الرأي السياسي الأمريكي منقسم بشكل يمكن أن يضع الأوروبيين المندفعين في التسلل.
صحيفة «الواشنطن بوست» ذكرت أن العديد من الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي أيدوا نقل جزء من أوكرانيا إلى روسيا. وهي رؤية الرئيس السابق ترامب، والذي أكد أنه قادر على إيقاف الحرب في دقائق معدودة، فماذا لو عاد الرئيس ترامب إلى الحكم مرة أخرى؟ الثابت أن الأوروبيين تورطوا وهم من سيدفع الثمن هذه المرة أيضاً. وقول وزير الدفاع الروسي شويغو هو خير دليل عندما قال إن « إمدادات الأسلحة والدعوات لأوكرانيا بالاستيلاء على الأراضي الروسية تجر الناتو إلى صراع وقد تؤدي إلى مستوى لا يمكن التنبؤ به من التصعيد».