بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- من المبكر على العالم أن يستوعب صدمة الزلزال الرهيب الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا، وأسفر عن وفيات بالآلاف، ودمار واسع، محا مناطق بأكملها، وتصدعت من شدته آثار وقلاع نجت من كوارث كبرى على مدى مئات السنين. وما جعل من هذه المصيبة فاجعة شملت العالم كله، ما لعبته وسائل التواصل الرقمية من دور في نقل صور ومشاهد حية، نقلت المأساة إلى كل مكان، وهو ما لم تشهده كارثة طبيعية من قبل.
ما حدث، تجاوز في بعض الحالات الإنسانية، حدود الألم، وأظهر كم تحتاج البشرية من صبر وجهد لتحمل تبعات ما يستجد دون سابق إنذار من كوارث، وأسوأ هذه الكوارث، الزلازل التي ستبقى دائماً في علم الغيب. وعلى الرغم من أن التقدم الحضاري قطع أشواطاً كبرى في استكشاف الفضاء، ومكّن الإنسان وأدواته من التجول بين النجوم، فإنه لم يتوصل بعد إلى سبر أعماق الأرض، ومعرفة أسرارها الغامضة، وأكبر أسرارها الزلازل التي تقول بعض الدراسات إنها تتأثر حتماً بما يدور على السطح، وما يتصل بالتغيرات المناخية وما يصحبها من اضطراب غير مألوف في معدلات درجات الحرارة انخفاضاً وارتفاعاً.
أمام المصاب الجلل في سوريا وتركيا، هبّ العالم أجمع تقريباً لنجدة المتضررين من الزلزال في البلدين المنكوبين، وبالتوزاي مع إطلاق مبادرات إغاثة، انطلقت جسور جوية حاملة المساعدات الغذائية والمعدات وفرق الإنقاذ والمستشفيات الميدانية، فضلاً عن مشاعر المواساة والتعازي في الضحايا. وإجمالاً استطاع التضامن الدولي الواسع، الذي تجاوز الخلافات السياسية والأوضاع الاقتصادية المضطربة، التخفيف من شدة المصيبة. كما نجح في إنقاذ بعض العالقين أحياء من تحت الأنقاض، في صور سرت عبر القنوات الرقمية إلى كل مكان، وكشفت عن وجه إنساني كاد العالم يفتقده في خضم ما يشهده من أزمات وحروب جارية وأخرى مؤجلة.
أحياناً تأتي المصائب بالفوائد، وربما تكون ارتدادات هذه الفاجعة الكبرى دافعاً للانتباه إلى مشاكل وتحديات أعظم من الصراعات بين القوى الدولية المختلفة. ومرة أخرى قد يكون هول هذا الزلزال المدمر محفزاً إلى التعقل، والنظر إلى ما يجمع البشرية، والبناء عليه بما يسهم في الانتصار للقيم الإنسانية الداعية إلى التآزر والتضامن الناجع، والابتعاد عن منطق الصراعات التي لا تنتهي والحروب الفتاكة.
وعلى الرغم من أن التمني أقرب إلى المثالية، فإن من المشروع الحلم به. فقبل أسابيع قليلة، كان العالم، وما يزال، يقف على عتبة حرب نووية، على خلفية الصراع الدائر في أوكرانيا، وما تؤكده التوقعات أن حرباً من هذا القبيل، ستكون نتائجها فوق الاحتمال، ولا يمكن تخيلها والتنبؤ بحدها ومداها. كما لا أحد يريد التورط فيها، لأن المنتصر فيها مهزوم بالضرورة.
التأمل في ما أحدثه الزلزال الرهيب، وما ألحقه من أضرار يصعب حصرها في الوقت الحالي، مناسبة لهذا العالم كي يعرف مواطن قوته وضعفه، وأن تعرف البشرية أن بقاءها ورخاءها محكومان بتعايشها وتسامحها مع بعضها، وليس في إشعال الصراعات، والاستعداد للحروب، فربما يدفع هذا الزلزال ما قد يكون أعظم.