بقلم: يونس السيد
الشرق اليوم- عودة رئيسي الحكومة البريطانيين السابقين ليز تراس وبوريس جونسون إلى المشهد السياسي، مؤخراً، تثير الكثير من التساؤلات حول المأزق الذي وصل إليه حزب المحافظين، وما إذا كان هذا الحزب قد اقترب من نهاية حقبة هيمنته على مقاليد السلطة في البلاد.
بغض النظر عن الدوافع الشخصية لكل من تراس وجونسون وما إذا كانا يبحثان عن دور يلعبانه مستقبلاً، فإن هذه العودة قد تعزز الانقسامات داخل حزب المحافظين مع وجود مؤيدين لهما في صفوف الحزب، وما تمثله من لحظة استغلال سياسي لفشل حكومة ريشي سوناك في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، التي أفضت إلى اضطرابات اجتماعية وعمّقت الأزمة الاقتصادية. وهي أزمة ناجمة أساساً عن تداعيات “بريكست” ثم الحرب في أوكرانيا، وكان الاثنان حينها في مواقع المسؤولية. وربما هذا ما يجعل منها نوعاً من “الكوميديا السوداء”، فالأول – جونسون- يريد العودة للسلطة بعد سلسلة من الفضائح التي هزت بريطانيا، والثانية – تراس – تريد العودة بعدما قدمت أداء اقتصادياً كارثياً بسبب سياساتها الضريبة، خلال 49 يوماً قضتها في “10 دواننغ ستريت”، معتبرة أنها لم تأخذ وقتها الكافي لتنفيذ خطتها الاقتصادية، التي لا تزال تدافع عنها.
من حيث المبدأ، لا توجد فوارق سياسية بين رؤساء الحكومات الثلاثة، جونسون وتراس وسوناك، الذين شغلوا الرأي العام البريطاني، في السنوات الأخيرة، فالثلاثة يلتزمون بسياسة حزب المحافظين داخلياً وخارجياً. كما لا توجد فوارق كبيرة بينهم في النظرة إلى معالجة الجوانب الاقتصادية، باستثناء ما يتعلق بخطة تراس الداعية لخفض الضرائب ونقيضها سوناك الذي يرفض خفض الضرائب في ظل التضخم الذي وصل إلى نحو 10.5 في المئة. لكن الجميع يتفقون على إدخال الإصلاحات اللازمة والضرورية للأزمة، التي نشأت وتجذرت عبر ثلاث محطات، أولاها “بريكست” أو تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي والقيود التي فرضت على الصادرات والواردات البريطانية، ناهيك عن خسارة الأسواق الأوروبية والتكامل الاقتصادي مع دول الاتحاد. وثانيتها الركود الاقتصادي الناجم عن أزمة كورونا، والثالثة تداعيات الحرب الأوكرانية، التي عمقت الأزمات الاقتصادية في بريطانيا وغيرها من دول العالم، وترافقت مع فوضى في الأسواق واضطرابات اجتماعية جراء نقص إمدادات الطاقة والارتفاع الجنوني لأسعار الغذاء بسبب العقوبات الغربية ورد الفعل الروسي عليها. وبالتالي فإن المشكلة لا تكمن في وجود عصا سحرية لدى كل من تراس وجونسون لحل هذه المشكلات، طالما لم تتم إعادة النظر جذرياً في مجمل السياسات البريطانية داخلياً وخارجياً، وإنما تكمن في الكيدية السياسية والمؤامرات البينية داخل حزب المحافظين، حيث يضمر جونسون أن سوناك هو من تسبب بإطاحته في نهاية المطاف، بينما تراس التي تفوقت على سوناك في انتخابات الحزب بعد رحيل جونسون، فهي تعتقد أنها لم تأخذ فرصتها الكاملة لإثبات جدارتها، وأن رئاسة الحكومة خطفت منها بعد أن لعب سوناك دوراً أساسياً في معارضة خطتها. واليوم جاء الدور على سوناك الذي أخفق بدوره في معالجة هذه المشكلات، وبالتالي فإن الفرصة تبدو مؤاتية لإطاحته.