بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- تعليقاً على ظهور المنطاد الصيني في أجواء الولايات المتحدة، كتبت مجلة “نيوزويك” الأميركية، أنه بصرف النظر عما تعبّر عنه هذه الحادثة من تكريس لحرب باردة جديدة، فإنها تعكس ولا شك الحساسية الدائمة للأمريكيين من أن ثمة من يراقبهم من السماء منذ إطلاق الاتحاد السوفياتي القمر الاصطناعي “سبوتنيك” عام 1957.
لقد عكست الحادثة نفسها عودة إلى أجواء التوتر الأمريكي – الصيني التي سادت عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان الصيف الماضي. وكان تأجيل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن زيارته التي كانت مقررة الأحد والاثنين لبكين، تعبيراً واضحاً عن الاستياء لدى المسؤولين في واشنطن.
كادت حادثة المنطاد تمحو كل أجواء التهدئة التي عرفتها العلاقات الأمريكية – الصينية منذ التقى الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس الصيني شي جينبينغ في منتجع بالي بأندونيسيا على هامش قمة دول مجموعة العشرين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وتلت ذلك لقاءات على مستوى أقل بين مسؤولين من البلدين بحثت في السبل الآيلة إلى عدم تفجر نزاع حول تايوان.
لا يخفي الصينيون امتعاضهم من التأكيدات الأمريكية بأن واشنطن ستدافع عن تايوان في حال هاجمتها الصين وضمتها بالقوة. بايدن وحده من بين الرؤساء الأميركيين منذ ريتشارد نيكسون الذي أجلى الغموض الإستراتيجي الذي كان يكتنف الموقف الأمريكي، حيال مسألة شن الصين هجوماً على الجزيرة. قال بايدن أكثر من مرة إن واشنطن ستدافع عن تايوان.
هذا موقف أقلق بكين وجعلها تلجأ إلى عروض القوة حول تايوان. وردت أمريكا بإرسال قطع من بحريتها لعبور مضيق تايوان، في خطوة رأت فيها الصين تحدياً. ووقع المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في تشرين الأول (أكتوبر)، تحت تأثير التوترات المحيطة بتايوان. وأدخل الحزب تعديلاً على الدستور لا يستثني استخدام القوة لضم تايوان إلى البر الصيني.
كيف ردت واشنطن؟
زادت المساعدات العسكرية الأمريكية لتايوان بينما توالت زيارات الوفود الأمريكية، ومن بعدها الأوروبية للجزيرة تعبيراً عن الوقوف بجانبها في مواجهة الصين. وإلى النشاط العسكري الأمريكي، كثفت واشنطن ديبلوماسيتها لدى الدول المحيطة بالصين. وهذه اليابان تقرر النحي منحى العسكرة فتزيد إنفاقها الدفاعي إلى 2 في المئة من إجمالي دخلها القومي. خطوة لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية.
التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وأستراليا بلغ درجات غير مسبوقة. وكذلك الأمر مع الفيليبين ومع إندونيسيا والهند، وكل ذلك يجري تحت مسمى عريض يتلخص في كيفية مواجهة الصعود الصيني وما يطلق عليه في الغرب محاولات بكين لتوسيع نفوذها في المحيطين الهادئ والهندي.
منطقة المحيطين الهادئ والهندي تعبير جيوسياسي ابتكره رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، وتبنته الولايات المتحدة. وكل التركيز الأمريكي منذ إدارة باراك أوباما ينصب على التصدي للصعود الصيني. هذه سياسة لا يختلف عليها لا أوباما ولا دونالد ترامب ولا جو بايدن.
في خضم هذه الأجواء، أتت حادثة المنطاد الصيني لتضيف صدعاً آخر إلى العلاقات الأمريكية – الصينية التي يتعين عدم تناسي التأثيرات السلبية التي تتركها عليها الحرب الروسية – الأوكرانية، والقلق الأميركي الدائم من أن تشكل الصين حبل نجاة لروسيا من الضغوط الاقتصادية الغربية أو أن تقدم بكين على مساعدة موسكو عسكرياً، في وقت يسعى الغرب بكل قوته إلى إلحاق هزيمة جيوسياسية بروسيا ويردعها عن التفكير بأنها لا تزال دولة عظمى، وريثة للإمبراطورية السوفياتية أو القيصرية.
الظهور المفاجئ للمنطاد الصيني، أعاد خلط الأوراق، وأيقظ كل الأصوات الأمريكية المتشددة ضد الصين في الولايات المتحدة، وفي مقدمها ترامب الذي غرد قائلاً: “أسقطوا المنطاد”، غامزاً من قناة بايدن الذي يتهمه الرئيس السابق بالتساهل مع الصين.