الشرق اليوم- لم تكن العلاقات الأمريكية – الصينية في الأساس علاقات سوية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة باستثناء فترة قصيرة قبل وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فالتنافس بين البلدين انتقل إلى حالة صراع مكشوفة فرضت خلالها واشنطن العديد من العقوبات الاقتصادية والمالية والتقنية على بكين، كما شهدت العلاقات توتراً بسبب الأزمة التايوانية وبحر الصين الجنوبي، حيث عمدت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالفات عسكرية في المنطقة لمحاصرة الصين، والحؤول دون المضي في برامج التوسع والنفوذ والقدرات السياسية والتنموية في مختلف القارات بما يهدد هيمنتها وقيادتها للنظام العالمي.
جرت محاولات لإدارة الصراع سلمياً من خلال لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين قيادات البلدين، إلا أنها لم تخفف من الشكوك بينهما ولا ساهمت في تجسير الهوة. فحالة الشك والريبة وعدم الثقة أكبر بكثير من أن يتم تسويتها من خلال هذه اللقاءات، ذلك أن ما بينهما من خلافات تدخل في إطار استراتيجيتين مختلفتين تماماً، واحدة تعتبر الآخر خصماً يهدد أمنها وهيمنتها، وواحدة تعتبر أن من حقها أن يكون لها دور في النظام العالمي نظراً لم تمتلكه من قدرات سياسية واقتصادية وتقنية وتنموية.
كان من المفترض أن يقوم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة بكين اليوم الاثنين في محاولة للتخفيف من حدة الصراع، تحاشياً لما هو أسوأ، لكن جاءت حادثة المنطاد الصيني الذي حلّق فوق الأراضي الأمريكية وتم إسقاطه يوم السبت الماضي، لترفع من مستوى التصعيد وتحبط كل الآمال التي كانت معلقة على زيارة بلينكن.
الولايات المتحدة اتهمت الصين بأن منطادها الذي كان يحلّق على ارتفاع شاهق كان يقوم بمهمة تجسس، مستهدفاً قواعد صواريخ نووية في ولاية مونتانا، لكن الصين نفت ذلك، وقالت بأن المنطاد خرج عن مساره، وهو مخصص لأبحاث متعلقة بالطقس، وليس للتجسس، وطالبت بالتعامل “بشكل صحيح وبطريقة هادئة ومبنية على ضبط النفس”، مشددة على أنها “تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية”.
لا شك أن حادث المنطاد أدى إلى مزيد من التدهور في العلاقات، ورد الفعل الأمريكي رغم التوضيح الصيني يؤكد أن الصراع بين واشنطن وبكين يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة عند أي حادث يقع صدفة أو عمداً، إذ إن كل طرف لديه المبررات التي يرى أنها تمس سيادته أو تهدد مصالحه فينقل الصراع إلى مستوى أعلى.
الحديث عن أن المنطاد كان يقوم بالتجسس هو من قبيل التكهن، فالقيادة الأمريكية ذكرت قبل إسقاطه أنه لا يمثل تهديداً للولايات المتحدة، ما يبعد شبهة التجسس، لكن الإدارة الأمريكية على ما يبدو أرادت أن تؤكد أنها لا تتساهل بمثل هذا الأمر، خشية من ردود فعل داخلية، خصوصاً من جانب الحزب الجمهوري الذي قد يستغل الحادث في حملته الانتخابية الرئاسية. لذلك وجه البيت الأبيض بإسقاطه فوق مياه المحيط الأطلسي وفي مكان يتسنى استعادة حطامه.
المصدر: صحيفة الخليج