بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أغلقت منذ أيام مرحلة جديدة من مراحل بناء المؤسسات التونسية، بإجراء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التي ستفرز مجلساً نيابياً جديداً، سيشتغل وفق الآليات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد.
وأياً كانت نسب المشاركة في هذا الدور، فإن العملية الانتخابية ستكون مع إعلان النتائج النهائية في آذار/مارس القادم، قد انتهت لتفتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة، يجب أن تكون مرحلة بناء وتحوّل جذري في كل المجالات، وإلا سنكون قد أهدرنا فرصة جديدة للنهوض والتقدّم.
ثمة خطوات لم يعد هناك مجال لتأخيرها في بناء مؤسسات الدولة، وهي المحكمة الدستورية، فهذه المؤسسة جرى تعطيلها طوال عشر سنوات وليس هناك من مبرر اليوم لعدم تركيزها، وجعلها آلية محكّمة في كل القضايا التي تثير الجدل. ولكن الأهم في المرحلة القادمة هو عمل الجهاز التنفيذي رئاسة وحكومة، والتشريعي البرلمان الجديد والغرفة الثانية (مجلس الجهات والأقاليم) التي لا بد من تسريع استكمالها حتى لا يظل المجلس النيابي معطّلاً، عن معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي بلغت مرحلة دقيقة، وشديدة الخطورة، مع تواصل تأجيل الاتفاق مع صندوق النقد، وتراجع تصنيف تونس من قبل مؤسسات التصنيف التي تعقّد الوضع المالي لتونس.
تونس الآن وإن كانت في حالة “مرض”، فإنها قادرة على النهوض مجدداً، إذا ما أسقطنا الخطوط الحمراء، وجعلنا الفرص المتاحة في أرض الواقع قاطرة للتنمية الاقتصادية والبشرية. ففي مجال قطاع الطاقة، هناك مشاريع ضخمة يمكن إنجازها مع الشركاء الحقيقيين الراغبين في مساعدة تونس، ومن دون أي شروط مسبقة. وملف قطاع الفوسفات فيه من ممكنات النهوض والازدهار ما يخلص تونس من تبعية مقيتة لمؤسسات المال، خاصة أن هذا القطاع لا يحتمل على الثروات الاستخراجية؛ بل على الصناعات التحويلية وعلى الكفاءات العلمية القادرة على جعل تونس لاعباً استراتيجياً على مستوى العالم في هذه المادة الحيوية للغذاء العالمي.
وفي قطاع الزارعة هناك أيضاً فرص ضخمة جداً، ولا تنتظر سوى سياسة “إصلاح زراعي” شاملة وعميقة، تبدأ من أقصى شمالي تونس إلى أقصى نقطة في الصحراء التونسية التي يمكن أن تكون البديل الزراعي الأضخم في البلاد، لو نسجنا على منوال الجارة الجزائر، ورفعنا عنها “المحظورات” التي تسهم في تأبيد الحالة المزرية المشكّلة من عطالة وبطالة وفقر وتهميش.
هناك شركاء في العالم راغبون في مساعدة تونس، والاقتصار على وجهات معينة للإنقاذ هو استمرار في حالة التبعية المقيتة التي عمقت مظاهر الفساد والحيف الاجتماعي، والتي لم تنجح “الثورة” في اجتثاثها لاستمرار المناويل القديمة في صياغة مستقبل تونس. نحن في مرحلة فارقة، حيث الاستحقاقات كبرى والمسؤولية أضخم، ومهمة رئيس الدولة الآن، تكمن في أن يمسك بزمام الملفات ويجعل متابعتها ومراقبتها حينية، فلن يرضى الشعب بغير العمل والنتائج الملموسة على أرض الواقع.
صحيح أن تونس تواجه ضغوطات خارجية قوية جداً من أجل إعادة دمج “جماعة الإخوان” في المشهد السياسي تحت يافطة إعادة المسار الديمقراطي، وصحيح أن الولايات المتحدة باتت تأخذ مواقف أكثر وضوحاً في هذا المجال بأن ربطت تقديم المساعدات بعودة ما تعدّه ديمقراطية قبل 25 من يوليو/تموز، ولكن التونسيين يرفضون العودة إلى حكم “الإخوان” كما يرفضون العودة إلى الوراء؛ إذ لا شيء سيجعل التونسيين يحنّون إلى فترة حكم “الإخوان”.
وعليه، فإن مواجهة ضغوط القوى الداعمة ل”الإخوان” لا يكون إلا بوحدة داخلية قوية، وبشراكات استراتيجية جديدة تنهي زمناً من التبعية للغرب. ولتونس مقوّمات كثيرة تمكّنها من استخدام أسلحتها لضمان استقلاليتها وسيادة قرارها.