الرئيسية / مقالات رأي / فتى بغداد في ويستمنستر

فتى بغداد في ويستمنستر

بقلم: أحمد مصطفى – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- اختار رئيس حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، ناظم الزهاوي، عنواناً لمذكراته التي سينشرها هذا العام هو “صبي من بغداد: رحلتي من الوزيريه إلى ويستمنستر”، لكن ربما يكون عليه الآن أن يعيد كتابة الجزء الأخير من كتابه قبل نشره، في ضوء قرار رئيس الحكومة ريشي سوناك إطاحته على خلفية اتهامه بالتهرب من دفع الضرائب، بعدما تأكدت المعلومات التي نشرتها الصحف عن تسوية بملايين الجنيهات بينه وبين مصلحة الضرائب تتضمن غرامة.

ولطالما نفى الزهاوي أنه تهرّب من دفع الضرائب، وأن التحقيقات كانت حول خطأ غير مقصود، لكن أن تتضمن التسوية التي تم التوصل إليها وهو وزير للخزانة، دفع غرامة فذلك يعني أنه حاول التهرب الضريبي، خاصة أن حكومة سوناك جاءت على أرضية “تنظيف السياسة من الفساد وانتهاك القانون”، بعد سلسلة الفضائح والانتهاكات التي أطاحت حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.

كان جونسون هو من صعّد صديقه ناظم الزهاوي من مناصب حكومية صغيرة تولاها في حكومات ديفيد كاميرون، وتيريزا ماي، حتى وصل في أيامه الأخيرة في الحكومة إلى أعلى منصب وزاري في بريطانيا وهو وزير الخزانة. وبدأت صداقة الزهاوي وجونسون، حين كان الأول يعمل في مكتب قريب من مكتب بول بريمر، أول من تولى إدارة العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني. وكان جونسون وقتها رئيساً لتحرير مجلة “سبيكتاتور” المحافظة، وكان الزهاوي يعمل في شركة والده التي حصلت على عقد توريد خدمات تحت الإشراف الأمريكي.

يتوقع طبعاً أن تكون السيرة الذاتية لرئيس حزب المحافظين الحاكم حالياً في كتابه، متمحورة حول كونه ذلك الصبي “الذي فر أهله من بطش السلطة في العراق، وبنى نفسه عصامياً، واجتهد حتى وصل إلى أعلى مراتب السياسة البريطانية في حي الحكم: ويستمنستر”، لكن الأمور قد لا تكون هكذا بدقة. فوالده حارث الزهاوي من عائلة ثرية متنفّذة في العراق. ومع أنهم من أصل كردي إلا أنهم كانوا في قلب رجال الأعمال والسلطة، وكان أحد أجداده محافظاً للبنك المركزي العراقي، إلا أن خلافاً بين والده وحزب البعث جعله يهرب إلى لندن، قبل أن يستقدم عائلته ومنها الصبي الصغير ناظم.

تعلم ناظم في مدرسة خاصة راقية في بريطانيا، وتخرّج في إحدى جامعاتها المرموقة بشهادة في الهندسة. وسرعان ما دخل عالم “البزنس”، وكان طريقه إلى عالم السياسة عبر قطب حزب المحافظين الشهير جيفري آرشر، الذي غرق في فضائح الفساد وحكم عليه بالسجن بعدما كان وصل إلى منصب نائب رئيس الحزب. وعمل الزهاوي مع آرشر مطلع التسعينات في الحملة لجمع التبرعات للأكراد باعتبارهم ضحايا الحكم العراقي، وهو الصندوق الذي حامت حول أمواله شبهات في ما بعد.

برع ناظم الزهاوي، المواطن البريطاني من أصل كردي عراقي، في المزج بين المال والسياسة، ربما أكثر من بعض أقطاب حزب المحافظين اليميني المعروف بأنه حزب رجال المال والأعمال. وحتى بعدما انتخب نائباً في البرلمان عام 2010 لم يفصل كثيراً بين “ما هو شخصي وما هو عام”، مستفيداً من عضويته للجان برلمانية لترتيب رحلات مجانية إلى كردستان العراق، موطّداً علاقته بحكام الإقليم العراقي. ومع بدء النشاط النفطي هناك، عمل مستشاراً لشركات نفطية، منها شركات أمريكية وبريطانية وتركية.

وحين كشفت فضيحة “مصروفات النواب” قبل عشر سنوات كان ترتيب ناظم الزهاوي متقدماً في قائمة النواب الذين صرفوا مستحقات من أموال دافعي الضرائب بغير وجه حق، لتغطية نفقات شخصية، مدّعين أنها فواتير نثرية لمهامهم البرلمانية.

وقبل ست سنوات نشرت الصحف الكثير عن ناظم الزهاوي الذي وصلت قيمة العقارات التي يملكها إلى نحو سبعين مليون دولار، فضلاً عن إسطبلات خيول ومدرسة خاصة لديه هو وزوجته، وعقود استشارات من خلال شركته “زهاوي وزهاوي”، وهي غير مجموعة والده للأعمال. ثم إنه كان أسس مع صحفي تعرّف إليه حين كانا يعملان سوياً مع جيفري أرشر، هو ستيف شكسبير، شركة “يوغف” للأبحاث واستطلاعات الرأي.

في كل تلك الوقائع لم يتأثر المستقبل السياسي لفتى بغداد في ويستمنستر؛ بل استمر في الصعود، لكن الأزمة الحالية تعني نهاية مسيرته قبل أن ينشر مذكراته.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …