بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- فضائح الفساد التي هزت أوكرانيا مؤخراً، وأطاحت بعدد من كبار المسؤولين في البلاد، وتركت تداعياتها قلقاً كبيراً لدى العالم الغربي الداعم لها، ليست جديدة بقدر ما هي امتداد لثقافة الفساد المنتشرة على نطاق واسع قبل العملية العسكرية الروسية في شباط/فبراير من العام الماضي.
من حيث المبدأ، احتلت أوكرانيا المرتبة 122 من بين 180 دولة في مؤشر إدراك الفساد لعام 2021 التابع لمنظمة الشفافية الدولية، وكان الاتحاد الأوروبي قد جعل من مكافحة الفساد أحد الإصلاحات الرئيسية التي كان ينبغي على أوكرانيا تنفيذها قبل الحصول على صفة مرشح للانضمام إلى الاتحاد.
لكن المثير للدهشة هو التوقيت الذي جرى فيه الكشف عن الفضيحة الأخيرة، والتي كان أبطالها خمسة حكام مناطق بما فيها خيرسون والعاصمة كييف، وأربعة مساعدي وزراء، ومسؤولين في وكالة حكومية تمت إقالتهم من مناصبهم، إضافة إلى مساعد مدير الإدارة الرئاسية، ونائب المدعي العام. وهو التوقيت الذي جاء في أعقاب اجتماع وزراء دفاع الحلفاء الغربيين في قاعدة رامشتاين الأمريكية في ألمانيا، والذي اعتبر بمثابة نقطة تحول في الدعم الغربي لأوكرانيا، حيث تقررت زيادة المساعدات العسكرية وإرسال أحدث الدبابات الأوروبية والأمريكية إلى أوكرانيا على أمل إحداث تغيير جذري في الواقع الميداني لصالح الجيش الأوكراني وتمكينه من تحقيق النصر في تلك الحرب.
وبعيداً عن رد الفعل الروسي بشأن إرسال تلك الدبابات وانخراط الغرب وحلف “الناتو” عملياً في الصراع واحتمالات اندلاع مواجهة مباشرة مع روسيا، فإن محاولات تصوير إقالة عدد من كبار المسؤولين المتورطين في الفساد على أنه إنجاز لحكومة زيلينسكي وجهودها في مكافحة الفساد منافٍ للحقيقة. ذلك أن هؤلاء المسؤولين يعتبرون من أقرب المقربين لزيلينسكي ويتولون مناصب حساسة في زمن الحرب، مثل نائب وزير الدفاع ونواب وزراء آخرين وحكام المقاطعات وبعضهم يحظى بثقة مطلقة لدى زيلينسكي ويعمل في المكتب الرئاسي التابع له.
هذه الحقيقة لا يمكن أن تختبئ خلف الضخ الإعلامي الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة للتغطية على الانتقادات التي بدأت تثار في الغرب، والتي باتت تتحدث علناً عن ذهاب جزء من المساعدات العسكرية والإنسانية إلى جيوب الفاسدين، مع تواتر التقارير عن بيع أسلحة غربية في السوق السوداء ونشوء مخاوف من وصولها إلى عصابات إرهابية. وبالتالي فقد بدأت الأصوات تتعالى في الغرب للمطالبة بضرورة وضع ضوابط وقيود صارمة على المساعدات التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا، والمطالبة بإنشاء آلية للمراقبة والإشراف عليها، كما هي الحال في الكونغرس الأمريكي والعديد من الدول الأوروبية.
من الواضح أن الغرب، الذي يعمل على عدم إظهار المزيد من الانقسامات في صفوفه، أو كشف نقاط ضعفه أمام روسيا، لا يريد أن يظهر بمظهر الداعم لنظام أوكراني فاسد، سواء قبل الأزمة أو بعدها، خوفاً من سقوط حججه في الدفاع عن الديمقراطية التي لطالما كان يتغنى بها، وبالتالي تدعيم الحجج الروسية التي دأبت منذ زمن طويل على اتهام النظام الأوكراني بالفساد.