بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- كان أمراً لافتاً، أن يزور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كلاً من ألمانيا وفرنسا في غضون عشرة أيام للبحث في كيفية مساهمة كل من برلين وباريس في إنقاذ بغداد من الظلام، الذي تغرق فيه نتيجة الانقطاع المتمادي في التيار الكهربائي.
ومعروف أنه بعد مرور عشرين عاماً على الغزو الأميركي للعراق، لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن توفر أياً من الخدمات الأساسية للمواطنين وفي مقدمها الكهرباء حتى لا نتحدث عن البنى التحتية الأخرى، التي يعتبر المواطن العراقي أنه في مسيس الحاجة إليها. العراقيون إذا أرادوا الاستشفاء عليهم الخروج إلى الأردن أو لبنان أو تركيا أو أوروبا.
وضع غير مقبول في بلد يحقق ما يفوق المئة مليار دولار سنوياً من مبيعات النفط. لكن استشراء الفساد وعدم الإستقرار السياسي ما دفع بالعراقيين إلى هذا الانعدام على المستوى الخدماتي، بينما ذهبت سدى، محاولات الجيل الشاب الذي انتفض في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، لأن القوى التي تدعم النظام ومنها “الحشد الشعبي” ومن خلفه إيران، خافت أن يؤدي التغيير السياسي إلى قيام حكومة بعيدة من نفوذ طهران. وجرت تصفية رموز الانتفاضة وعادت الأمور إلى المربع الأول.
وعندما تسلم السوداني السلطة قبل أشهر، قيل إنه من المحسوبين على إيران، كونه كان مرشح الأجنحة السياسية لـ”الحشد الشعبي” في البرلمان العراقي، واعترض عليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بقوة وأوعز إلى مناصريه باقتحام البرلمان وكاد العراق يغرق في حرب أهلية شيعية-شيعية لو لم يتراجع الصدر وينسحب من “المنطقة الخضراء”.
وفي 15 كانون الثاني (يناير) الجاري، أطلق السوداني موقفاً استرعى الانتباه، إذ قال في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن العراق لا يزال بحاجة إلى القوات الأميركية المنتشرة على أراضيه لمحاربة تنظيم “داعش”.
موقف استحق التوقف عنده، لأنه صادر عن رجل يعتبر محسوباً على إيران، ومن المعروف أن المطلب الأول لطهران هو إخراج القوات الأميركية من العراق ومن الشرق الأوسط بكامله. إلى الآن، من غير الواضح الدوافع التي جعلت السوداني يخاطر بموقف كهذا.
تطور آخر، يتعين النظر إليه بتمعن وهو انعقاد “مؤتمر بغداد” الإقليمي الثاني ولكن هذه المرة في الأردن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وأيضاً بمشاركة السوداني، وحضور وفود من دول الخليج العربية وإيران والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأيضاً يفتح السوداني نافذة على مواصلة الدور الذي لعبه سلفه مصطفى الكاظمي، والمتعلق بالوساطة بين السعودية وإيران. ويبدي استعداده كي يستمر العراق بهذا الدور من دون أن يذهب بعيداً في التفاؤل نتيجة التعقيدات التي تعتري العلاقات بين الرياض وطهران.
محطة أخرى، جعلت العراق يستعيد بعضاً من حضوره الماضي، كان عبر استضافة تصفيات “خليجي 25” لكرة القدم في مدينة البصرة أوائل الشهر الجاري. شكلت المباريات إطلالة عراقية متميزة على الجوار العربي، ومنحت أملاً بأن العراق يمكن أن يكون ملتقى وليس ساحة تتقاتل فيها الدول المتنافسة على النفوذ.
قد يقول البعض إن السوداني عبر انفتاحه على أوروبا والعرب وقبوله باستمرار انتشار القوات الأميركية، يمارس دوراً واقعياً أكثر منه إيديولوجياً. وبحسب السوداني نفسه فإن العراق يمكن أن يكون على علاقة جيدة بكل من إيران والولايات المتحدة. أليست تركيا دولة أطلسية لكنها تقيم علاقات ممتازة مع طهران؟.
السوداني ينشد اليوم الكهرباء من ألمانيا أو من فرنسا، في خطوة تكرس براغماتيته.
والسوداني الذي زار طهران في ذروة الاحتجاجات الداخلية، طلب من القيادة الإيرانية وقف القصف على شمال العراق الذي يستهدف أحزاباً كردية إيرانية مسلحة تتهمها إيران بالوقوف وراء التظاهرات التي عمت البلاد عقب وفاة الشابة مهسا أميني في 16 أيلول (سبتمبر) عقب احتجازها من قبل “شرطة الأخلاق” في طهران لعدم وضعها الحجاب “بطريقة مناسبة”. وأرفق السوداني هذا الطلب مع تأكيده أن “أمن العراق وإيران وحدة متكاملة”.
حتى الآن، استطاع السوداني التعايش مع كل القوى المتداخلة على الساحة العراقية. لكن إذا تمكن من تأمين الكهرباء يكون قد حقق إنجازاً لن ينساه له العراقيون.