بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم– نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تقدير موقف، يتناول التقدير القمة الثلاثية التي انعقدت في العاصمة المصرية القاهرة وضمت رؤساء مصر وفلسطين إلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني، وأهميتها كأول فعل رسمي عربي بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتحديات المترتبة على كل من الدول الثلاث.
أدناه النص كما ورد في موقع المركز:
يأتي انعقاد القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة، يوم السابع عشر من يناير 2023 كأول فعل رسمي عربي بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي يُعتقد أن سياساتها وتوجهاتها قد تصاعد من التوترات الميدانية في الضفة الغربية، ومن هنا تأتي أهمية انعقاد القمة الثلاثية من أجل بلورة موقف واستراتيجية عربية مُوحدة، من أجل الاستجابة للتحديات الناشئة عن توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتحديداً منها محاولاتها تغيير الوضع القائم في القدس الشرقية ومقدساتها، والإضرار بالهدوء النسبي في مناطق الضفة الغربية. هذه التحديات وغيرها نوقشت ضمن أعمال القمة ليس فقط لتأثيرها على الأوضاع في الداخل الفلسطيني، بل لما قد يترتب عليها من تحديات على الأردن ومصر، وعلى المنطقة بأسرها، وهو ما يجعل الاستجابة لها على رأس أولويات الأمن الإقليمي.
قمة التحديات المركبة
ليس من قبيل المبالغة وصف قمة القاهرة الثلاثية، بقمة “التحديات” المركبة، حيث العديد من التحديات السابقة لا تزال ماثلة، لكنها ازدادت تشابكاً وتعقيداً بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أفقياً وعمودياً، حيث تتقاطع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية على عدة ساحات مشتركة: فلسطينية وأردنية ومصرية في الأساس، من حيث:
أولاً: تتعمق أزمة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تعاني أصلاً من أزمات داخلية على الصُعد الاقتصادية والسياسية والأمنية، حيث يُعتقد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تسعى لإعادة تعريف دور السلطة وحصره في مناطق جغرافية محدودة في المناطق المصنفة “أ” و “ب” التي تشكّل ما يقارب الـ 40% من مساحة الضفة الغربية، وهو ما يُهدد “حل الدولتين”، وذلك ركن أساس في رؤية اليمين الإسرائيلي الرافض لاتفاقيات أوسلو من ناحية، وغير القادر على إلغائها بحكم طابعها الدولي “السياسي والقانوني” من ناحية ثانية.
وبهذا السياق؛ فإن إجراءات الحكومة الإسرائيلية وقراراتها قد تكرس لواقع جديد في الضفة الغربية، ويظهر ذلك في مُصادقة مجلس الوزراء المُصغر في 5 يناير 2022 على تجميد خطط بناء الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية المُصنفة (ج)، والتي تشكّل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى قرارها بتمديد العمل بقانون “إجراءات الطوارئ في يهودا والسامرة” لخمس سنوات إضافية.
هذه القرارات إلى جانب نقل صلاحيات الإدارة المدنية لبتسلئيل سموتريتش، قد تشدد من الضائقة الاقتصادية التي تُعاني منها الضفة الغربية، ويُضيق من صلاحيات السلطة الفلسطينية في المناطق المُصنفة (أ) و(ب)، والتي تمارسها وفقاً لاتفاقيات أوسلو.
ثانياً: يجد الأردن نفسه معنياً بالوقائع الجديدة في الأراضي الفلسطينية، خاصة في حال شمول الخطاب والإجراءات الإسرائيلية للمعطيات الزمانية والمكانية في القدس الشرقية، وما قد يترتب عنها من مساعي لتغيير لواقع الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني قد حذر الحكومة الإسرائيلية من المساس بالخطوط الحمراء والمصالح الأردنية العليا، وتأتي الوصاية الهاشمية كأحد تلك الخطوط الحمراء نظراً لوجودها في صلب المجال الحيوي للأردن.
ويستعد الأردن للخوض في حملة دبلوماسية لمواجهة أي ترتيبات إسرائيلية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، ويشمل ذلك الاشتباك الدبلوماسي المُباشر مع إسرائيل عبر الاستدعاء المُتكرر للسفير الإسرائيلي لدى الأردن، وكذلك تكثيف الجهد الدبلوماسي على المستوى الإقليمي وتأتي هذه القمة الثلاثية كأحد نماذج ذلك الجهد، إلى جانب تضييق هامش المُناورة على الإسرائيليين في المجتمع الدولي، وقد ظهرت نتائج الجهد الدبلوماسي الأردني في رد الفعل الدولي على زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لباحات المسجد الأقصى، والتي لقيت إدانة واسعة عربياً وإسلامياً وعالمياً، وكذلك في رد الفعل الدولي على اعتراض الأمن الإسرائيلي للسفير الأردني في تل أبيب لدى محاولته زيارة المسجد الأقصى، والتي تلتها زيارة 28 دبلوماسي من دول الاتحاد الأوروبي للمسجد الأقصى للتأكيد على الموقف الدولي من ضرورة الحفاظ على الوضع القائم في القدس.
ثالثاً: تنخرط مصر في الشأن الفلسطيني، وما يستجد من ترتيبات وإجراءات في قطاع غزة تحديداً، فإن القاهرة معنية به، ومن شأن تطبيق الحكومة الإسرائيلية لسياساتها اليمينية أن يُفاقم من الأوضاع الأمنية المُتردية في الضفة الغربية، وأن يُكرس ذلك بدوره تعزيز قوة حركة “حماس” في الضفة وفي قطاع غزة، خاصة في وقت تسعى فيه الحركة لتقديم نفسها كطرف مقبول على المستوى الإقليمي والدولي، وفي مقابل ذلك فإن التفاهمات الأمنية الضمنية بين إسرائيل و “حماس” والتي تضمن هدوء جبهة قطاع غزة المُعرضة للضغوطات، خاصة وأن التصعيد الأخير بين الجانبين، إضافة للتصعيد الإسرائيلي مع حركة الجهاد الإسلامي أظهر تلاشي الفواصل بين ما يحدث في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يُهدد تلك التفاهمات ويُضاعف من احتمالات عودة الاشتباك والتصعيد في قطاع غزة، وهو أمر له ارتداداته على القاهرة التي تنخرط بكثافة في هذا الملف.
القمة الثُلاثية وسُبل الاستجابة الممكنة
جاء بيان قمة القاهرة الختامي على مستوى التحديات وأظهر وحدة في الرؤية الاستراتيجية والمواقف السياسية، حيث أكد البيان على ضرورة الحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحقيق سلام شامل وعادل على أساس حل الدولتين، كما سعى البيان إلى تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته في التصدي للإجراءات الإسرائيلية الأحادية والتي تشمل على الاستيطان وعمليات تهجير الفلسطينيين والاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة للمدن الفلسطينية، وأيضاً محاولة تغيير الوضع التاريخي والقانوني للقدس ومقدساتها.
وقد جاء البيان واضحاً من حيث تأكيده على الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، باعتبار الحرم القدسي بكامل مساحته مكاناً خالصاً لعبادة المسلمين، وبأن دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك وتنظيم الدخول إليه.
كما تطرق البيان لأهمية إنهاء الانقسام الداخلي في فلسطين، لما له من تأثير على وحدة الموقف الفلسطيني وصلابته في الدفاع عن قضيته، وعلى ضرورة اتخاذ إجراءات جادة ومؤثرة للتخفيف من حدة الأوضاع المعيشية المتدهورة لأبناء الشعب الفلسطيني.
وفي السياق ذاته، فقد أظهرت القمة أن وحدة الرؤية الاستراتيجية والموقف السياسي للدول الثلاث هي مُقدمة لتحويلها إلى سياسات وإجراءات فاعلة في مواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية وإجراءاتها اليومية المتسارعة على الأرض.
وبهذا الصدد، فإن الحديث حول القمة الثلاثية يستدعي بالضرورة التطرق إلى اللقاء التشاوري الذي استضافته العاصمة الإماراتية أبو ظبي، بمشاركة قادة الأردن ومصر وقطر والبحرين وعُمان، وحيث أن الدول العربية سعت في السنوات الماضية لتحقيق التكامل الاقتصادي، فإن ذلك يتطلب أيضاً تعزيز التفاهمات السياسية والتنسيق بين الدول المختلفة بشأن المواقف السياسية في القضايا الجوهرية بالمنطقة، وقد جاء اللقاء عُقب القمة الثلاثية، وبعد فترة من انعقاد الاجتماع الأول لمجموعات عمل “منتدى النقب” الذي يضم الإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في نقاشات القادة التشاورية في أبو ظبي.
من هُنا، يُمكن القول إن الأردن قادر على الاستجابة لما قد ينبثق عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة من تحديات، وذلك من خلال:
أولاً: الدفع باتجاه تعظيم التفاهمات والمشتركات بين طرفي الانقسام الفلسطيني “فتح وحماس” من خلال تنفيذ خطوات عملية من أجل تطبيق اتفاقيات المصالحة وإنهاء الانقسام، والتي كان آخرها “اتفاق الجزائر”، من أجل ضمان وحدة التمثيل الفلسطيني ووحدة القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على مشاريع تكريس قطاع غزة ككيان سياسي للشعب الفلسطيني.
ثانياً: الاستمرار في الاشتباك الدبلوماسي مع إسرائيل، وإرسال الرسائل التحذيرية للحكومة الإسرائيلية من عواقب الاعتداءات المتكررة على القدس والمقدسات، وتحديداً في المسجد الأقصى، ومحاولات المسّ بالوصاية الأردنية الهاشمية عليها.
ثالثاً: المساهمة في حل الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية من خلال الضغط لتفعيل شبكة الأمان العربية والتزامات الدول العربية المتفق عليها، وتفعيل دور جامعة الدول العربية في هذا السياق، من أجل مواجهة الاقتطاعات الإسرائيلية المستمرة من أموال المقاصة الفلسطينية.
رابعاً: التنسيق الدائم والعمل المستمر مع الحلفاء الدوليين والحفاظ على وحدة الموقف فيما يخص القضية الفلسطينية، ويُمكن القول إن اللقاء التشاوري الذي استضافته أبو ظبي، بمشاركة قادة من دول الخليج إلى جانب الأردن ومصر، هو خطوة صحيحة في هذا السياق.