بقلم: يوسف بدر – النهار العربي
الشرق اليوم- أعلنت الخارجية الإيرانية في 9 كانون الثاني (يناير) 2023 عن استعداد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة تركيا وسوريا، بعد تلقيه دعوة لزيارة البلدين. وجاء هذا الإعلان بعد محادثات هاتفية بين وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد. وأكد عبد اللهيان دعم بلاده سيادة سوريا ووحدة أراضيها. ومن جانب تركيا، أكد وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، خلال وجوده في رواندا، هذه الزيارة، معلناً لقاءه مع نظيره الإيراني، في أنقرة، الثلثاء المقبل.أيضاً، تأتي زيارة رئيسي لتركيا بعد الإعلان عن تأجيل هذه الزيارة لأسباب غير معلنة من الجانب الإيراني، في كانون الأول (ديسمبر) 2022. وذلك بعد تصاعد التوتر بين إيران ودولة أذربيجان، وسط اتهامات من حكومة طهران لأنقرة بدعم باكو ومساندتها في خطتها نحو تغيير الحدود الجيوسياسية مع أرمينيا، بما ينعكس على مصالح إيران بالسلب ويهدد أمنها، بخاصة أن باكو وأنقرة نفذتا مناورات عسكرية مشتركة، كانت بمثابة رسالة تحذير إلى طهران.
هناك مستجد آخر، يأتي قبل زيارة الرئيس الإيراني يتعلق باجتماعات ثلاثية بين أنقرة ودمشق وموسكو من دون مشاركة طهران. وكانت بداية ذلك باجتماعات على مستوى رؤساء الاستخبارات في دمشق في أيلول (سبتمبر) 2022 على مستوى وزراء الدفاع، وفي موسكو في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2022. وهو ما أثار التساؤلات حول غياب الدور الإيراني في هذه المعادلة. حتى أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، رد على هذه المسألة في مؤتمره الصحافي، في 2 كانون الثاني (يناير)، بأن دول روسيا وتركيا وسوريا تعترف بالدور الإيراني الحاسم في مكافحة الإرهاب في سوريا ودعم وحدة أراضيها.
لكن بعد 17 شهراً من بداية رئاسة إبراهيم رئيسي، تأتي زيارته المقررة لتركيا لتكشف عن حاجة متبادلة في المصالح بين تركيا وإيران، بخاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار طهران في تموز (يوليو) 2022، واستقبله الرئيس الإيراني الحالي. ثمّ خيمت التوترات على العلاقات بين البلدين بسبب تباين المواقف في العديد من الملفات. كما جاءت حركة الاحتجاجات داخل إيران التي اندلعت منذ منتصف أيلول (سبتمبر) 2022، لتصبح السياسة الإيرانية أكثر انفعالية تجاه محيطها. حتى أن وزير الخارجية التركي، في مؤتمره السنوي، 29 ديسمبر (كانون الأول)، ولتبرئة بلاده من أي أعمال معادية ضد طهران، قال: “إن استقرار إيران مهم بالنسبة إلينا”.
ملف سوريا
تنظر إيران إلى موقف النظام السوري من دعوة أنقرة إلى التطبيع مع دمشق، على أنه داعم لرؤيتها تجاه سوريا، إذ كانت تركيا تأمل في عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية بين أنقرة ودمشق في موسكو، بعد انتهاء جولة وزير خارجيتها في أفريقيا، يوم 14 كانون الثاني (يناير)، أو بعد زيارته واشنطن المقررة في 17 الشهر الجاري.
لكن الرئيس السوري، بشار الأسد، قابل الحماسة التركية ببرود، مشترطاً خروج ما أسماه بالاحتلال التركي من الأراضي السورية، بحسب بيان الرئاسة السورية في 12 الشهر الجاري. وهو ما دفع وزير الخارجية التركي إلى نفي قرب اجتماعه مع نظيره السوري، وحديثه عن احتمال هذا اللقاء في أوائل شباط (فبراير) المقبل. ما يعني أن تركيا عاجزة عن وضع موعد محدد لهذا الاجتماع في ظل وجود مطالب من طرف دمشق، يجب تحقيقها أولاً.
ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته بيروت، الجمعة 13 كانون الثاني (يناير)، لتؤكد دعمها للموقف السوري، حيث قال عبداللهيان إن طهران سعيدة بالتقارب بين حليفتها سوريا وتركيا، التي دعمت المعارضة السياسية والمسلحة لدمشق على مدى عقود. ما يعني أن طهران تريد إدارة التقارب بين البلدين بما يخدم علاقتها ومصالحها، بخاصة أنها ترى في هذا التقارب تراجعاً من تركيا تجاه سياستها نحو سوريا.
ولذلك، لا يمكن تفسير الاجتماعات بين دمشق وأنقرة على مستوى الاستخبارات والدفاع، أنها تعبر عن محاولة للتخلص من الطرف الإيراني. لكن الأمر يتعلق بتفاهمات ثنائية، يمكن لتركيا من خلالها أن تفي بالمطالب السورية. وهو ما ترجمته تصريحات وزير الخارجية التركي في مؤتمره السنوي بقوله إن “أنقرة مستعدة لنقل السيطرة بمناطق وجودها في سوريا لدمشق، في حال تحقيق الاستقرار السياسي وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد”، ما يعني أن تركيا يمكن أن تنفذ طلب دمشق إذا ما تأكدت من قدرة الجيش السوري على بسط سيطرته على المناطق الكردية التي تهدد أمن حدودها، التي فيها قواتها باسم محاربة الإرهاب.
بل حتى التقارب الذي أبدته دولة الإمارات تجاه حكومة دمشق بتبادل الزيارات، وسط حديث عن جهود إماراتية لمشاركة روسيا في المصالحة السورية وإدارة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة؛ تعتبره طهران انتصاراً لإرادتها في سوريا، فالأمر يتعلق بتقارب المحاور لخدمة المصالح، وليس في خدمة معسكرات حربية، بخاصة أن تصريحات وزير الخارجية التركي، في 4 من الشهر الجاري، تصب في خدمة المحور الإيراني؛ إذ قال إن “السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ سنوات في ما يتعلق بسوريا لا تؤدي إلى أي شيء، ومن الضروري إنهاء الحرب الأهلية”.
كذلك، فإن زيارة جاويش أوغلو المقررة لواشنطن وتبادل الزيارات والرسائل بين واشنطن وأنقرة، يؤكدان أن الإدارة الأميركية تسعى للاستفادة من التحولات في سوريا، وما زال يشغلها ملف مستقبل الأكراد داخل سوريا. وهذه المسألة نقطة قوية للتقارب بين أنقرة وطهران.
جنوب القوقاز محطة أخرى
محطة مهمة أخرى تتناولها زيارة الرئيس الإيراني لتركيا، وهي التحولات في منطقة جنوب القوقاز؛ حيث هناك قوتان إقليميتان فاعلتان ضد المصالح الإيرانية، هما تركيا وإسرائيل، إذ يصر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بمساندة من تركيا، على فتح ممر “زنكه زور” الذي يربط بلاده بالإقليم المنفصل ناختشفيان وصولاً إلى تركيا؛ وهو ما يضر بالجغرافيا السياسية لإيران.
كذلك، أغلقت حكومة باكو ممر “لاتشين” الذي يأتي ضمن اتفاق تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 لوقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا، وهو ما يمثل رافعة ضغط على حكومة يريفان حتى تستجيب لمطالب باكو بإنشاء ممر “زنكه زور”، ومن ثمّ يضعف موقف طهران المعارض لهذا الممر.
هذا، فضلاً عن مخاوف إيران من أي تغييرات ديموغرافية في منطقة القوقاز، في ظل المساعي الإسرائيلية لنقل اليهود الهاربين من الحرب الروسية-الأوكرانية إلى مخيمات داخل أذربيجان. ومن الممكن أن تستفيد حكومة باكو منهم بتوطينهم داخل مناطق ناغورني كاراباخ؛ من أجل تغيير التركيبة الديموغرافية والعرقية في هذه المنطقة لإضعاف الوجود الأرمني، إلى جانب تنامي التقارب بين أذربيجان وإسرائيل مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السلطة. ومؤشر ذلك، قيام أذربيجان بتعيين أول سفير لها في إسرائيل وسط توتر لعلاقاتها مع إيران. وقد اتهم وزير الخارجية الإيراني إسرائيل العام الماضي بإقامة وجود عسكري لها وتحالف سري مع أذربيجان، ما يعني أن إسرائيل تسعى إلى نقل وجودها على حدود إيران، على غرار وجود إيران على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة في لبنان وسوريا والعراق.
لكن التصريحات التي أدلى بها رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، خلال مشاركته في الدورة الـ13 لجمعية البرلمانات الآسيوية في أنقرة، الاثنين 9 الشهر الجاري، يكشف أن استراتيجية إيران ليست الدخول في عداء مع تركيا أو أذربيجان، بل الحفاظ على حالة التنافس لا العداء. بل إن طهران أدركت أن سياستها قادت إلى نفوذ تركيا وإسرائيل بشكل أكبر داخل جارتها الشمالية أذربيجان.
أيضاً، فإن استراتيجية المحافظين داخل إيران التي تؤكد سياسة التوجه شرقاً، لا تريد اندلاع أي حروب في منطقة القوقاز، بما يفتح باب الجحيم على أمن إيران ومصالحها في هذه المنطقة، فضلاً عن أن هذه الاستراتيجية تمثل جانباً من تشكيل النظام الدولي الجديد الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الشرق والغرب. فقد قال قاليباف: “نحن بحاجة إلى تحقيق نظام دولي جديد وعادل، تكون آسيا مصدر إلهامه ومصدره الرئيسي”.
وبعد مشاركته في اجتماع برلمانات آسيا، قال قاليباف إن ما حدث في الآونة الأخيرة، من سوء الفهم مع جمهورية أذربيجان تمت معالجته، وإنه سوف يزور باكو قريباً. وذلك بعد عقده لقاءات ثنائية وثلاثية مع رئيسي البرلمان الأذربيجاني، صاحبة غفارو، والتركي، مصطفى شنتوب. وقد علق وزير الخارجية الإيراني على نتائج الدبلوماسية البرلمانية هذه، بأن “الاجتماع الثلاثي الأخير بين رؤساء برلمانات إيران وتركيا وأذربيجان في أنقرة، قد حقق نتائج إيجابية في سياق تقليص سوء الفهم بين طهران وباكو”.
أي إن مسألة القوقاز ستدخل في إطار ملف المصالح المتبادلة بين إيران وتركيا على غرار الملف السوري، لا سيما أن إيران تدرك مدى تأثير الدور التركي في القوقاز وأذربيجان، كما تدرك تركيا مدى تأثير الدور الإيراني في سوريا. وتظل ورقة المصالح الاقتصادية المشتركة، من خلال حركة التجارة والترانزيت عبر إيران، فاعلة في إقناع كل من أذربيجان وتركيا بعدم الذهاب بعيداً إلى العداء الكامل مع إيران.
المحصّلة
هناك ملفات لمصالح متبادلة بين إيران وتركيا، ستجعل من الزيارة المنتظرة للرئيس الإيراني للعاصمة التركية أنقرة، شاملة لملفات تتعلق بمصالح البلدين في سوريا وجنوب القوقاز.
لا تمثل اللقاءات الثلاثية بين أنقرة ودمشق وموسكو تنحيةً للدور الإيراني؛ بل تبدو كأنها لقاءات ثنائية بين دمشق وأنقرة في ضيافة موسكو، لتهيئة الأرضية والوصول إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية، التي منها ملفات الوجود العسكري التركي في سوريا وملف الأكراد واللاجئين ودعم المعارضة.
يمكن فهم تطورات العلاقة بين أنقرة ودمشق، في ضوء تحولات المصالح بكل أبعادها السياسية والاقتصادية؛ بخاصة أن هذه التطورات تخدم التعاون بين طهران وأنقرة في مجالات أمنية واقتصادية تمتد من القوقاز شمالاً وصولاً إلى البحر المتوسط شرقاً. إن التقارب بين أنقرة ودمشق سيعيد إنتاج الحالة العراقية حيث هناك تشاركية وتنافسية بين تركيا وإيران في العديد من الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية في العراق.
رغم أن تصريحات الرئيس الأذربيجاني بخصوص مصالح بلاده تبدو انفعالية وثورية من دون أي اعتبارات للتحذيرات الإيرانية؛ بخاصة أنه يستند في قوة خطابه إلى قوة الدعم الذي يتلقاه من تركيا وإسرائيل، لكن تظل طبيعة علاقة بلاده بجارته الجنوبية إيران مرهونة بطبيعة العلاقة بين إيران وتركيا، اللتين تحافظان على علاقة تنافسية بينهما من دون الوصول إلى مرحلة من الصراع والعداء.