الشرق اليوم- دأبت الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ومالية على الدول التي تعارض سياساتها بهدف إجبارها على الرضوخ وتقديم تنازلات وتعديل مواقفها السياسية بما ينسجم مع المصالح الأمريكية، ويتم ذلك خارج إطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية، حيث تعتبر الولايات المتحد أن قوانينها لها صفة كونية طالما هي تمتلك القوة والقدرة على فعل ذلك. رغم أن المادتين 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة تمثلان الإطار القانوني الوحيد الذي تستند إليه الأمم المتحدة تحديداً في فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية على دول معينة.
تبررالولايات المتحدة عقوباتها عادة إما بدعم محاربة الإرهاب، وإما لامتلاك أسلحة دمار شامل، وإما لانتهاج سياسات معادية، وإما لانتهاك حقوق الإنسان، وإما أداة ضغط للحصول على الموارد مثل احتياطات النفط الفنزويلية، وكلها تبريرات لإرغام الدول المستهدفة على تعديل سياساتها. أي إن العقوبات هي سلاح اقتصادي بديل عن الحرب لتحقيق النتائج المرجوة.
هناك العديد من دول العالم تتعرض لعقوبات أمريكية، منها مستمر منذ أكثر من ستين عاماً مثل كوبا، ومنها ما تم فرضه خلال العقود القليلة الماضية، كما هو حال العراق وليبيا والسودان وسوريا وإيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا وبيلاروسيا.
تؤكد الدراسات والأبحاث التي أجريت من جانب أكثر من جهة غربية، ومن جانب عدد من الخبراء والكتّاب أن هذه العقوبات لم تحقق أهدافها في تغيير سياسات الدول، أو في تغيير الأنظمة، بل إن المتضرر الأكبر هي شعوب الدول التي تعاني تداعيات العقوبات والحصار، من دون أن تؤثر في الأنظمة التي تستغل العقوبات بدورها في تحفيز الشعب على المقاومة والصمود.
الواقع يؤكد أن العقوبات الاقتصادية ترتكب بهدف عقابي، ولها آثار وخيمة على حقوق الإنسان الفردية والجماعية من جميع النواحي، وخاصة تلك التي تضمن حق الإنسان في الحياة والعيش والكرامة، فهي تحطم الإمكانيات المادية والاقتصادية وتعطل التنمية، وترتقي لتصبح جرائم دولية يعاقب عليها القانون الدولي. فالعقوبات توسع مساحة الفقر والجوع والأمراض، كما تزيد من نسبة الوفيات، كما حال العراق إبان الحصار الذي أدى إلى وفاة أكثر من مليون عراقي، معظمهم من الأطفال جراء الأمراض ونقص الأدوية والحليب والمواد الغذائية. كما أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا الآن أدت إلى أزمات اقتصادية في معظم دول العالم وتحديداً في الدول الفقيرة بسبب نقص إمدادات الحبوب، إضافة لما تشهده الدول الأوروبية من أزمات في الطاقة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق وما يرافق ذلك من حراك شعبي مناهض للحرب والعقوبات.
لعل ما ورد في تقرير للأمم المتحدة الذي نُشر في نوفمير (تشرين الثاني) الماضي حول سوريا، ما يؤكد وحشية العقوبات الأمريكية والغربية، إذ تحدثت المقررة الخاصة للأمم المتحدة إيلينا دوهان عن “الآثار الكارثية” للعقوبات الأحادية القسرية في جميع مناحي الحياة، ودعت إلى رفعها فوراً.
الدعوة لوضع حد لسياسة العقوبات تصدر عن أكثر من جهة دولية، لأنها “فاشلة” في تحقيق أهدافها السياسية، ولأنها تستهدف الشعوب بالدرجة الأولى.
المصدر: صحيفة الخليج