الشرق اليوم- على مدى ثلاثين عاماً من حكم جماعة “الإخوان”، من خلال نظام عمر البشير الذي لفظ أنفاسه في أبريل/نيسان 2019، عانى السودانيون الكثير من الإذلال والقهر والفساد والأزمات المعيشية الطاحنة، على أمل أن يحمل المستقبل تباشير استعادة الأمن والحرية والديمقراطية والاستقرار والتعافي من الأزمات الاقتصادية، لكن ما حصل بعد ذلك من خلافات بين المكونين المدني والعسكري أطاح بكل الآمال، ووضع السودان مجدداً في أتون أزمات سياسية وأمنية واقتصادية، لا تقل تداعياتها عن السنوات المرّة في ظل نظام البشير، خصوصاً بعد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي أنهت الشراكة التي كانت قائمة بين المكونين العسكري والمدني.
بُذلت الكثير من الجهود المحلية والإقليمية والدولية منذ ذلك، لتجسير العلاقة بين الطرفين، لكنها لم تصل إلى نتيجة إيجابية، بسبب اتساع شقّة الخلافات، ومعها فقدان الثقة، الأمر الذي تسبب بمواجهات أدت إلى سقوط ضحايا، وتفجر صراعات قبلية في أكثر من جهة، لكن ذلك كان يشكل عامل ضغط على جميع الأطراف، للتوصل إلى تسوية، وحل سياسي، ينقذ السودان مما هو أسوأ.
وقد شكّل “الاتفاق الإطاري” الذي تم التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بين المكونين العسكري والمدني، وبواسطة الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة “الإيقاد”، نافذة أمل للخروج من المأزق، وبدء مرحلة التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي وعادل.
“الاتفاق الإطاري” رسم خارطة طريق الحل من خلال تحديد الأولويات المتمثلة بالعدالة، وإصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، واتفاق السلام المبرم في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتفكيك منظومة “الإخوان” داخل السلطة وفي المؤسسات.
كان ذلك يحتاج إلى الانتقال من تحديد الأولويات إلى مباشرة البحث والنقاش في آلية التنفيذ، وعلى هذا الأساس تم إطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية يوم الأحد الفائت لمناقشة بنود “الاتفاق الإطاري”، بين مختلف القوى الموقعة عليه من المكونين المدني والعسكري، والمجتمع المدني، والأكاديميين، والقطاع الخاص، وزعماء الأحزاب، وصنّاع الرأي العام، ومجموعات حقوق الشباب والمرأة.
هذا الحوار قد يستمر لثلاثة أسابيع، من خلال مجموعات عمل تضع تصوراتها تجاه مختلف القضايا المطروحة.
بعثة الأمم المتحدة أعلنت أنها وفرت كل الاستعدادات، لإنجاح ودعم المرحلة الانتقالية، فيما أكد البرهان في كلمته خلال افتتاح الاجتماع، أن المؤسسة العسكرية لن تلعب أي دور في عملية التحول الديمقراطي في البلاد، في حين أكد نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، التزام الشق العسكري بتشكيل سلطة مدنية كاملة.
هذا يعني أن المؤسسة العسكرية قررت أن تنأى بنفسها عن الحكم، وتسليم السلطة إلى المدنيين، والتفرغ إلى مهمتها في حفظ الأمن ووحدة البلاد.
لعل المرحلة النهائية تقود السودان إلى السلام الدائم، وتفتح أبواب الحرية والديمقراطية، وتضع حداً لسنوات الصراع والضياع.
المصدر: صحيفة الخليج