بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- انتخاب الجمهوري كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النواب الأمريكي بعد 15 جولة من التصويت لم يكن حدثاً استثنائياً في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، ففي عام 1855 اندلعت أكبر معركة على منصب رئاسة المجلس استمرت شهرين، وجرى خلالها 133 جولة اقتراع على خلفية نقاشات حول العبودية في الفترة التي سبقت الحرب الأهلية.
ومنذ عام 1923، هذه هي المرة الأولى التي لا يتم فيها انتخاب مرشح لرئاسة مجلس النواب في جولة الاقتراع الأولى، لكن انتخاب مكارثي بعد أربعة أيام، تخللتها 15 جولة تصويت، أعطى بُعداً مختلفاً، لكونه جاء على خلفية الانقسام الأمريكي عموماً، والصراع الداخلي الجمهوري تحديداً، وفي ظل صفقة بينية جمهورية أتاحت التوصل إلى تسوية يعتقد أنها وضعت مطرقة رئاسة المجلس بين يدي شخصية سياسية تم إضعافها بسبب تكبيل يديه من كل الاتجاهات.
مكارثي نفسه يدرك أن صفقة التسوية التي وقّع عليها لم تنهِ الانقسام الجمهوري، وأنها تسمح بخلعه في أي وقت إذا لم يلتزم بتنفيذ التعهدات التي قدمها إلى خصومه المتطرفين من أنصار ترامب. المفارقة هنا تكمن في اهتزاز صورة الديمقراطية الأمريكية التي وجدت نفسها أمام اختبار صعب، ليس هو الأول بالتأكيد، لكنه يمثل امتداداً لرفض اليمين الجمهوري بزعامة ترامب الاعتراف بخسارة الانتخابات الرئاسية عام 2020، والذي أفضى بدوره إلى الهجوم على الكابيتول؛ رمز الديمقراطية الأمريكية في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021. ربما جاء انتخاب مكارثي رئيساً لمجلس النواب بالتزامن مع الذكرى الثانية للهجوم على مبنى الكابيتول، ليذكّر الجميع بتصدع الديمقراطية الأمريكية. ويدفع للمقارنة بين الديمقراطية والابتزاز، الذي تمارسه مجموعة لا تزيد على 20 عضواً في أقصى اليمين المتطرف؛ إذ على الرغم من أن ترامب نفسه دعا علناً، في سياق الاقتراع، جميع الجمهوريين إلى انتخاب مكارثي، فإن هذه المجموعة التي تسمي نفسها “تجمع الحرية” رفضت الانصياع حتى إلى طلب ترامب، وآثرت الاستمرار في العرقلة والابتزاز بذريعة أن مكارثي غير موثوق ومتقلب وبلا مبادئ، ويؤخذ عليه أنه بعد أن كان من المشككين بنتائج انتخابات 2020، انتقد موقف ترامب تجاه الهجوم على الكابيتول، ثم عاد للتودد إليه مجدداً. وكان الثمن إجباره على تلك الصفقة التي تقلص من صلاحياته، وتمنح تلك المجموعة دوراً كبيراً في صياغة التشريعات والقوانين وإقرارها. ومن ضمن التنازلات التي قدمها مكارثي، إجراء تعديلات قانونية تسمح لأي نائب بطرح مشروع لخلعه من منصبه. وإعطاء تلك المجموعة، مقاعد في لجنة القواعد النافذة في مجلس النواب، ومنح بعض أعضائها مقاعد في رئاسة بعض اللجان المهمة، والسماح لهم بالتصويت على مشاريع مثيرة للجدل تتعلق بالهجرة وأي ملفات يدعمها نواب “تجمع الحرية”. بهذا المعنى، بات الكثير من الجمهوريين الذين دعموا مكارثي يخشون من نوعية هذه التنازلات، ويعتقدون أنها قد تؤدي إلى عرقلة أجندة مجلس النواب التشريعية، وربما إلى ظهور مكارثي نفسه متحدثاً ضعيفاً باسم المجلس بعد أن تخلى عن بعض صلاحياته تحت تهديد الابتزاز.