بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم- “قبل انتهاء العام 2023، يجب أن تكون الحرب الروسية-الأوكرانية قد انتهت”.
بهذه الكلمات شرح دبلوماسي فرنسي يُعتبر خبيرًا في الشؤون الروسية، أسباب اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا الى تزويد الجيش الأوكراني بنوعية جديدة من الأسلحة التي لها طابع هجومي، مثل الدبابات الخفيفة.
وبحسب الدبلوماسي فإنّ الجيش الأوكراني بعدما امتلك كل ما يلزم من الأسلحة الدفاعيّة، يستعد لاستكمال ترسانته الهجوميّة التحريريّة، أي تلك التي تعينه على استعادة ما خسره من أراض، منذ الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي.
وهذا يعني أنّ الغرب، حتى تاريخه، يواكب أهداف أوكرانيا “الدنيا”، أي العودة الى ما كانت عليه حالها، قبل بدء الغزو الروسي لأراضيها، من دون الذهاب معها الى “أهدافها القصوى” التي تريد تحرير شبه جزيرة القرم التي سبق أن ضمّتها روسيا في العام 2014.
ولكن هل تحقيق أوكرانيا لـ”أهدافها الدنيا” ممكن؟
الدبلوماسي الفرنسي الّذي التقيتُه في باريس، وطلب إبقاء هويته “خفيّة”، أشار الى أنّ التسليح الغربي لأوكرانيا لا يتم من دون تقييم دقيق لوضعيّة القوات الروسية وقدراتها البشرية والتكنولوجيّة والتسلحيّة، وهذا يعني أنّه لولا ثقة الدول الغربيّة بفاعليّة الأسلحة التي تقدّمها للجيش الأوكراني، لكانت قد امتنعت عن ذلك، إذ إنّ القيادة الروسيّة، على الرغم من كل محاولاتها ومساعيها، عجزت عن توفير الحماية اللازمة لقواتها الموجودة في أوكرانيا، ولأكثر مواقعها استراتيجيةً، وقد أثبتت التطوّرات الأخيرة أنّها خسرت الحرب النفسيّة، ولم يبق لديها سوى التلويح باللجوء الى السلاح النووي ورمي كبار مجرمي الحرب الى الواجهة لإطلاق شعارات لم يعد أحد يعيرها أيّ اهتمام.
ولفت هذا الدبلوماسي الى أنّ الغرب لم يعد لديه “ترف الوقت” لانتظار نضوج تسوية روسيّة-أوكرانيّة، وفق المعطيات الكلاسيكية، لأنّ روسيا، بما أنّها نظام استبدادي لا يعير المساءة الشعبيّة أيّ اختمام، يمكنها أن تلعب لعبة الوقت، وهذا ما يسميه الإستراتيجيون “سياسة الإهتراء”، ولكنّ الدول الغربيّة الداعمة لأوكرانيا ليست كذلك، وبالتالي فإنّ قياداتها وحكوماتها تخضع لمساءلة شعبيّة مستمرة، ليس على قاعدة “حسن الإختيار” بل على أساس مستوى الرفاهيّة.
وهذا يعني أنّ الدول الغربيّة لا يمكنها أن تحتوي الخسائر المالية والإقتصادية التي تتسبّب بها الحرب في أوكرانيا الى مدى بعيد، الأمر الذي يدفع بها الى تقديم ما يلزم من دعم “مفيد” للجيش الأوكراني حتى يُعطي قيادته السياسيّة ما يلزم من أوراق تسمح لها بأن تكون في موقع قوي عندما تجلس الى مائدة المفاوضات، لأنّ هناك قناعة راسخة لدى الجميع بأنّ الحرب الروسيّة الأوكرانية لن يحسمها الحل العسكري، “فنحن، وإن استعدنا دروس الحرب العالميّة الثانيّة، إلّا أنّنا لسنا في وضعية مماثلة، حيث يكمن الحل بانتصار عسكري ساحق لمحور على آخر”.
وعمّا إذا كان هناك أيّ رهان على صحّة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال عنه رئيس المخابرات الأوكرانيّة إنّه يعاني من مرض خطر وهو يشارف على الموت، ردّ الدبلوماسي الفرنسي:” نحن ليس لدينا مثل هذه المعلومات على الإطلاق، ولا نعرف إذا كان هذا النوع من الكلام يدخل في إطار الحرب النفسية، ولكن، وإن افترضنا أنّ الصّلاة المنعزلة التي أدّاها بوتين، بمناسبة عيد الميلاد في بلاده، قد أعطت كلام المخابرات الأوكرانيّة صبغة المصداقية، إلّا أنّه يجب الإنتباه الى أنّه، في كثير من الأحيان، يكون الزعيم المريض أكثر خطورة من غيره، خصوصًا إذا كان مثل بوتين يصدّق أنّه من عظماء البشريّة، علمًا أنّ من يكونون في مواقع القيادة ، في دول لا تعير الشفافيّة أيّ اهتمام، يمكنهم أن يتعايشوا، وبسريّة تامة، مع أمراضهم لمدة طويلة، نظرًا للرعاية الطبيّة والإستشفائيّة الإستثنائيّة التي تتوافر لهم”.
على أيّ حال، ووفق المتوافر من معطيات، فإنّ كلًّا من روسيا وأوكرانيا يعدّان العدّة لمفاجآت عسكريّة، من شأنها أن تقلب موازين القوى الحاليّة، وفي حين تبقى الخطط الروسيّة نوعًا من “البروبغندا” التي ترافق عمليات تدمير بأفق “تجحيم” حياة الشعب الأوكراني لزعزعة صموده، فإنّ أوكرانيا التي لا تتوقف عن “التمسكن” بهدف الحصول على أكبر دعم ممكن، سجّلت، حتى تاريخه، مفاجآت مذهلة، بعمليات عسكرية موجعة لم تستهدف البنية التحتية للجيش الروسي فحسب، بل تمكّنت من ألحاق خسائر بشريّة هائلة بقواته، كما حصل قبل أيّام، في الجزء الشرقي المحتل من البلاد.
ولكن، على الرغم من ذلك، هل يتحقق الطموح الغربي وتضع الحرب الروسية-الأوكرانية أوزارها قبل نهاية هذا العام؟
هذا هدف استراتيجي لدى الغرب لأنّ الحاجة الى تحقيقه، بقدر ما هي عامل مساعد للجيش الأوكراني، هي عامل ضغط عليه لأنّ مجتمعات الدول الصديقة بدأ صراخها يصبح خطرًا للغاية.